وقَّع لبنان إتفاقية “ستوكهولم” بشأن الملوثات العضوية الثابتة في 23 أيار (مايو) 2001، وأبرمها في 3 كانون الثاني (يناير) 2003، ودخلت عنده حيز التنفيذ في 17 أيار (مايو) 2004.
الملوثات العضوية الثابتة هي مجموعة من المركبات الكيميائية المستعملة في الصناعة وفي الحماية النباتية، ومنها ما يتولد بشكل غير مقصود نتيجة حرق النفايات وغيرها من المواد، وفي بعض العمليات الصناعية. هذه المركبات تتميز بثلاث ميزات أساسية، فهي عالية السمية البشرية والبيئية، وهي عالية الثبات والإستقرار، بحيث لا تتفكك بسرعة في الطبيعة، وتنتقل من وسط بيئي إلى آخر، من الهواء إلى التربة والمياه فإلى السلسلة الغذائية للإنسان، وهي أيضا تتميز بقابلية للتراكم الحيوي حيث تتزايد تراكيزها في الأنسجة الحيوانية والنباتية والمنتجات الغذائية التي تصنَّع منها. وهي بميزاتها الثلاث هذه تعتبر ملوثات كونية إستحقت عناية المجتمع الدولي لإدارتها والتخلص منها والتحكم بمخاطرها من خلال هذه الإتفاقية الدولية الملزمة.
عملا بمتطلبات الإتفاقية، التي تقول بضرورة وضع “الخطة التنفيذية الوطنية” National Implementation Plan NIP لإدارة الملوثات العضوية الثابتة سنتان بعد دخول الإتفاقية حيز التنفيذ في كل بلد، أنجز لبنان تقريره النهائي بشأن الخطة التنفيذية الوطنية في العام 2006، بتمويل من المرفق العالمي للبيئة GEF وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بعدما اختير لبنان ليكون واحدا من 12 بلدا نموذجيا لوضع هذه الخطة، بفضل جهود فريق وزارة البيئة العامل على هذا الملف في ذلك الوقت.
تشكل هذه الوثيقة الهامة دليلا يساعد لبنان على تقييم وضعه بشأن الملوثات العضوية الثابتة وخطط إدارتها، بهدف التخفيف من آثارها السلبية على البيئة والصحة البشرية.
كان عدد المواد الكيميائية المسمَّاة ملوثات عضوية ثابتة حين وضعت الإتفاقية 12 مركَّبا، تشمل المواد الصناعية والمبيدات الزراعية والمركبات التي تتولد بشكل غير مقصود، أي الملوثات التي تنشأ لدى حرق النفايات ولدى بعض العمليات الصناعية والتعدين. ولكن، وفق آليات ضم مواد جديدة إلى لائحة الملوثات العضوية الثابتة، التي بقيت مفتوحة، تم ضم عدد من المركبات الجديدة على فترات متفاوتة خلال مؤتمرات الإتفاقية، التي عقدت منذ دخولها حيز التنفيذ.
منذ سنوات عدة تم استحداث سكرتاريا مشتركة للإتفاقيات الكيميائية الثلاث، إتفاقية “ستوكهولم” بشأن الملوثات العضوية الثابتة، وإتفاقية “بازل” بشأن النفايات الخطرة وغيرها من النفايات، وإتفاقية “روتردام” بشأن التجارة الدولية بالمواد الكيميائية والموافقة المسبقة عن علم، وذلك بهدف التآزر بينها وتكاملها. ومنذ ذلك الحين تعقد مؤتمرات الإتفاقيات الثلاث مجتمعة، بحيث يكون هناك إجتماعات تبحث فيها القضايا المشتركة، إضافة لانعقاد مؤتمر كل إتفاقية على حدة، ولكن بالتآزر والتكامل بينها.
لعب لبنان تاريخيا دورا نشيطا في الإتفاقيات الكيميائية الثلاث، ولا سيَّما إتفاقيتي “بازل” و”ستوكهولم” تحديدا، وشارك في معظم اجتماعاتها ومؤتمراتها، ويسعى لتلبية التزاماته حيالها لما فيه مصلحة وطنية للبنان في إحراز تقدم في إدارة هذه المواد والتخلص منها، والتخفيف من آثارها السلبية، وتحقيق مستوى أعلى من السلامة الكيميائية، وللحد من التلوث البيئي بها وتأثيراتها الخطيرة على صحة العاملين بها وعموم المواطنين.
ولكن مع الأسف الشديد، شهدت السنوات الماضية تراجعا ملحوظا لهذا الدور، وذلك يعود لما أحدثه بعض وزراء البيئة، الذين تعاقبوا على هذه الوزارة الهامة، من تهميش لدورها وإضعاف لها في السياسات البيئية الداخلية، وفي مشاركتها وحضورها في المحافل الدولية والمتابعة الجادة للإتفاقيات الكيميائية الدولية، باعتبار أن وزارة البيئة هي السلطة المختصة ونقطة الاتصال الوطني لهذه الاتفاقيات. حدث هذا التراجع، الذي يتحمل مسؤولية حدوثه الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة وحدهم، على الرغم من أن الوزارة تحظى بوجود مجموعة من الخبراء الأكفَّاء والقادرين على تلبية حاجات المتابعة المهنية والفعالة لهذه الإتفاقيات، إذا ما أتيحت لهم الفرصة وتوفرت الظروف المساعدة على ذلك.
نحن الآن على أبواب إنعقاد مؤتمرات الإتفاقيات الثلاث قريبا، خلال شهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو) في جنيف – سويسرا. وتشكل هذه المؤتمرات فرصة لمناقشة التقدم الذي حققته البلدان الأطراف في هذه الاتفاقيات، ومنها لبنان. وفي هذا السياق هناك جملة من القضايا التي نود طرحها للنقاش الوطني تحضيرا لمشاركة لبنان في هذه المؤتمرات.
أول هذه القضايا، ضرورة مشاركة لبنان الرسمي في هذه المؤتمرات، ومشاركة مندوبين من وزارة البيئة، وربما من وزارات أخرى، في أعمال هذه المؤتمرات جميعها.
ثاني هذه القضايا، إيجاد آلية تعاون وتكامل بين مندوبي لبنان الرسميين وممثلي المجتمع المدني اللبناني، الذين يتابعون هذه الإتفاقيات ويعملون بشكل فعال لتطبيق التزاماتها، إن هذا التنسيق والتعاون نراه مفيدا للمصلحة الوطنية، بحيث تتكامل جهود الحكومة مع جهود المجتمع المدني المتخصص والمتابع لهذه القضايا، فتكون النتائج المتوقعة أكبر وأكثر فعالية وأثرا إيجابيا على بيئة لبنان وصحة شعبه. وفي هذا السياق نعلن انفتاحنا على أي شكل من أشكال التعاون والتنسيق والتكامل، وسوف نتعامل بأعلى درجات الجدية مع أي مبادرة في هذا الإتجاه.
ثالثا، إن لبنان قد أنجز خطته التنفيذية الوطنية المتعلقة بالمركبات الأساسية الـ12، التي أدرجت بداية في الإتفاقية، ولكنه لم يقم بعد بالمهام التالية:
-لبنان لم يضع بعد خطته التنفيذية الوطنية المتعلقة بالمواد الـ9، التي أضيفت إلى لائحة الملوثات العضوية الثابتة في مؤتمر الإتفاقية في العام 2009. وكان الموعد النهائي لإنجازها العام 2012.
-لبنان لم يضع بعد خطته التنفيذية الوطنية المتعلقة بمادة “أندوسولفان” Endosulfan، التي أضيفت إلى لائحة الملوثات العضوية الثابتة في مؤتمر الإتفاقية في العام 2011. وكان الموعد النهائي لإنجازها في العام 2014.
-لبنان لم يضع بعد خطته التنفيذية الوطنية لمادة Hexabromocyclododecane HBCD، وهي مادة من مثبِّطات اللَّهب تتمتع بالميزات الثلاث للملوثات العضوية الثابتة التي أشرنا إليها، والتي أضيفت إلى لائحة الملوثات العضوية الثابتة في مؤتمر الإتفاقية في العام 2013. وكان الموعد النهائي لإنجازها في العام 2016.
-لبنان لم يباشر بعد بوضع الخطة التنفيذية الوطنية للمواد PCP, PCNs, HCBD، التي أضيفت إلى لائحة الملوثات العضوية الثابتة في مؤتمر الإتفاقية في العام 2015. وسيكون الموعد النهائي لإنجازها في العام 2018.
إن هذه الخطط التنفيذية الوطنية تشكل حاجة ملحة للبنان ليتمكن من الإيفاء بالتزاماته تجاه الإتفاقية الدولية، ولتحسين مستوى إدارته لهذه المواد عالية الخطورة، حماية للبيئة والصحة العامة.
نحن منفتحون عل التعاون مع وزارة البيئة في هذه المهمات الوطنية، وكذلك تحقيقا لأعلى جودة ممكنة لهذه الخطط التنفيذية الوطنية، حيث أن دلائل الإتفاقية تؤكد على ضرورة التشاور مع الشركاء في المجتمع المدني في تحضير ومراجعة تلك الخطط. هذه المسائل الهامة ستتم مناقشتها في المؤتمر الثلاثي للإتفاقيات الثلاثة، وفي مؤتمر إتفاقية “ستوكهولم” في الشهر القادم.