فيما نتابع بوجع مجازر الطيور في موسم هجرتها الربيعية، ونتكبد عناء علاج المصاب منها بالتعاون مع مراكز علمية مختصة، كموقع greenarea.info و”جمعية Green Area الدولية، ونصدر البيان تلو الآخر رفضا لهذا القتل المجاني، أطل بالأمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليبدِّدَ بعضا من هواجسنا، محددا مواقف واضحة حيال ظاهرة الصيد العشوائي، في خطوة لم نشهد مثيلا لها في لبنان طوال العهود السابقة، لا بل مر علينا رؤساء جمهوريات احترفوا الصيد هواية ورياضة.
قدم الرئيس مقاربات في هذا المجال واءمت بين القيم الإنسانية والأخلاقية من جهة، وبين العلم وقوانين الطبيعة من جهة ثانية، أي أنه لم يعلن موقفا عابرا من الصيد البري، وتقديمه كلازمة من موقع رفع العتب فحسب، لا بل أكد أن لبنان مدعو للاقتداء بالدول التي تحترم قوانين الطبيعة وتحمي الطيور، نظرا لأهميتها ودورها في التوازن البيئي، ومذكرا بأنها باتت مهددة بالإنقراض، خصوصا تلك المحرم صيدها.
خطوة على طريق تنظيم ملف الصيد البري
لم يتوانَ الرئيس عون عن التصدي لظاهرة فلتان الصيد، وهو يعلم مسبقا أن مواقفه لن يكون لها صدى مرحبا وسط جمهور الصيادين في لبنان، مع وجود نحو 600 ألف صياد، فضلا عن مافيات تجارة الأسلحة وذخائرها ولوازمها، ومن هنا جاءت مواقفه واضحة، لتؤكد حقائق ومعطيات علمية، تفترض أن يكون لبنان حاضرا في مجاراة الجهود الدولية الرامية إلى حفظ التنوع الحيوي، وتغيير صورة لبنان كبلد متفلت من القوانين، وأصاب الرئيس عون أبعد من قضية الصيد في حد ذاتها، خصوصا وأنه يسعى إلى تغيير الصورة النمطية عن لبنان كبلد يشهد سنويا مئات لا بل آلاف المجازر بحق الطيور المهاجرة.
ونعلم مسبقا أن دعوة الرئيس لقوننة الصيد ستواجه بأضاليل، وسيتحرك المتضررون لتزيين القتل على أنه “هواية” و”رياضة”، خصوصا وأن دعوته فتح موسم الصيد من أيلول (سبتمبر) حتى كانون الثاني (يناير)، أي لنحو أربعة أشهر فقط تعني خسائر بالمليارات لمافيات الأسلحلة وذخائرها، فضلا عن أن ثمة قوى ستكون حامية للمرتكبين، وأن القانون لا يمكن تطبيقه دون عقبات وتداخلات وتدخلات.
لكن ما هو ثابت في هذا المجال، أن ثمة توجها واضحا من رأس الدولة حيال الصيد البري، وهذا ما لم نكن نحلم به يوما كبيئيين ومعنيين بالحياة الطبيعية، وكلنا أمل أن تكون مواقف رئيس الجمهورية خطوة على طريق تنظيم ملف الصيد البري.
أحراج الصنوبر
وتزامنت مواقف الرئيس مع ما نواجه من تبعات خطيرة تستهدف ثرواتنا الطبيعية نتيجة الصيد الجائر، خصوصا وأن لبنان مهدد بثروته الحرجية، ولا سيما أحراج الصنوبر التي تفتك بها أمراض ناجمة عن حشرات وآفات، وما عادت ثمة طيور تلتهمها، خصوصا وأن أنواعا محددة من الطيور تعتبر العدو الطبيعي لهذه الآفات، فضلا عن أن مكافحة الأمراض عن أشجار الصنوبر دونها صعوبات كثيرة، فهي أشجار باسقة يصعب رشها بالمبيدات، ويقتضي الأمر استخدام مروحيات الجيش اللبناني، وهذا أمر صعب ومكلف، وتترتب عليه نتائج سلبية لجهة تلويث الأجواء وقتل حشرات نافعة، والإضرار بقطاع تربية النحل.
وهذه المشكلة تطاول أحراج الصنوبر، بدءا من حرج بيروت، وصولا إلى أحراج المتنين الأعلى والشمالي، فضلا عن عاليه والشوف وجزين، وستكون لها تبعات خطيرة على المناخ، خصوصا وأنه حتى الآن تعرضت آلاف الأشجار لليباس، وإذا علمنا أن كل شجرة صنوبر تنفث يوميا نحو مئتي ليتر من الأوكسيجين، يكفي ذلك لنعلم حجم الكارثة التي ستقودنا خطوات جديدة نحو التصحر، إضافة إلى أن لبنان سيخسر قطاعا إقتصاديا وإنتاجيا مهما، يطاول أكثر من خمسة آلاف عائلة، وسيفتقد بالتأكيد قيمة هذه الثروة على الصعيد السياحي، وما يتفرد به لبنان بمواقعه الطبيعية والجمالية أو ما بقي منها.
ومثال أشجار الصنوبر يؤكد حجم المخاطر المحدقة بسبب الصيد البري، ومن هنا، تأتي مواقف الرئيس عون لتصوب خللا وتضع نقاطا بيئية على حروف الجهل والفوضى.