لم نكن لنتصور يوما في لبنان أن يتصدى رأس الدولة مباشرة لكارثة بيئية وإنسانية وأخلاقية، عنينا بها الصيد البري، ورفعها إلى قضية وطنية، وهذه سابقة تؤكد أن قضايا البيئة لا تقل أهمية عن ما نواجه من قضايا واستحقاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، غير منفصلة عن تكريس مفهوم الدولة ومرجعيتها وانتظام مؤسساتها والتزامها سقف القانون.
قدم الرئيس ميشال عون مطالعة انطلق في مستهلها من تجربته الشخصية في موضوع الصيد وتوقفه عن ممارسة هذه الهواية في العام 1975، وأطل منها على ما هو قائم من تعديات وتجاوزات، قبل أن يقارب هذا الموضوع برؤية علمية، بيَّن خلالها أهمية الطيور في التوازن البيئي، معتبراً أن هذا الأمر “يرتدي طابعا ثقافيا ووطنيا. فالله خلق لنا الطبيعة، جاعلا منها عالما حيا متنوعا، ومتوازناً بأبعاد ثلاثة: انسانية، حيوانية ونباتية”، مضيفا أنه “إذا ما فقد الانسان إحدى هذه الابعاد سيصل الى فقدان ذاته، ويصبح هو تاليا برسم الانقراض. من هنا نحن نريد ان نحافظ على هذه الابعاد الثلاث في وطننا، تماما كما نريد المحافظة على الطيور المهاجرة التي هي ثروة عالمية لا يملكها احد، إذ هي ملك الجميع”.
دور البلديات
وبدا جلياً أن الرئيس حرك الماء الراكد حيال هذه القضية، إذ سيعقد وزير البيئة طارق الخطيب مؤتمرا صحافياً غدا الثلاثاء 4 نيسان (أبريل) في مبنى الوزارة، بمشاركة “المجلس الأعلى للصيد البري” وهيئات وجهات معنية، ولأننا نبدي حرصاً على إمكانية تحقيق خطوة متقدمة في هذا المجال، نورد بعض الملاحظات تجنباً لعقبات، خصوصا وأن تنظيم الصيد البري في لبنان، دونه عقبات وعثرات، وكي لا تكون ثمة انتكاسة، وهذه المرة ستكون تبعاتها أكبر ونتائجها أخطر، لأن المستهدف رئيس الدولة، ورمزية الموقع، وهذا ما يتطلب إدارة هادئة لهذا الملف.
بادىء ذي بدء، لا بد من التأكيد أن وزارة البيئة هي الجهة المولجة تنظيم ملف الصيد البري في لبنان، لكنها ليست وحدها المعنية، ولا يكفي أن تصدر وزارة البيئة قرارات وتعاميم فحسب، لأن المسؤولية مشتركة مع وزارات عدة، في مقدمها: الداخلية، الدفاع والزراعة، فضلا عن البلديات المدعوة إلى المراقبة والسهر على مشاعاتها ضمن نطاقها العقاري، قمع المخالفات عبر عناصر الشرطة البلدية والحراس، وفق آلية تعاون مع قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، وأي تجاوزات تكون البلدية معنية كسلطة محلية.
ولا بد من إصدار تعاميم إلى البلديات بتسطير محاضر ضبط بحق كل من يضع فوق سطح منزله شجرة مقطوعة لجذب الطيور وصيدها ليلا، وثمة مئات لا بل آلاف الأشجار مثبتة على أسطح المنازل، وفي ذلك مخالفة لجهة قطع الشجر، ولجهة ممارسة الصيد الممنوع أساسا.
أقل الإيمان
وبالتوازي ثمة أمور يمكن من الآن التصدي لها، ومنها:
-منع من هم دون سن الثامنة عشرة من اقتناء بندقية صيد، وثمة حوادث ذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، ووقف حالة الفلتان هذه، ونحن نرى أولادا يتجولون على مرأى من الجميع وهم يتباهون بحمل البنادق وعرض طيور مهاجرة قاموا باصطيادها، من الشمال إلى الجنوب فالجبل والبقاع.
-إذا ما توجهنا إلى محال بيع الطيور والحيوانات الأليفة سنجد أنها تبيع “الدبق” ويمكن للجهات المعنية مصادرتها وتغريم أصحابها، خصوصا وأن الصيد بالدبق والشباك محرم دوليا.
-على القوى الأمنية أن تصادر أجهزة آلات تقليد الطيور ومكبرات الصوت والكشافات وتغريم من يستخدمونها.
-على الدولة أن تمنع استيراد مثل هذه الآلات بقرارات وتعاميم واضحة إلى الجمارك، وتمنع الإعلانات المسوقة لها.
-على المؤسسات الأمنية كافة أن تتشدد في منع عناصرها من ممارسة الصيد غير المسؤول.
هذا غيض من فيض، ولكن إذا ما أردنا فعلا تنظيم هذا الملف، فهذا أقل الإيمان، وهذا الأمر لا يتطلب انتظار تنظيم ملف الصيد وصدور مراسيم إجرائية.
بعض مقترحات
ما يثير الهواجس، يبقى أبعد من ذلك بكثير، وهو على صلة بالفساد، فضلا عن سلطة ونفوذ مافيا تجار الأسلحة وذخائرها وتغلغلها في معظم مرافق الدولة، فمن يضمن أن لا يتدخل مسؤول كبير لمنع توقيف وتغريم أحد المحسوبين؟ ومن يأذن للقوى الأمنية أن تتصدى لمن يصطادون على مقربة من مراكزها وحواجزها؟ ومن ثم من يضمن أن تلتزم الأندية المكلفة من قبل وزارة البيئة إعطاء رخص الصيد بما يضمن النزاهة والصرامة في منحها للمستحقين فقط؟
وثمة الكثير من الأسئلة، لكن لا بد من التأكيد على ضرورة فرض ضرائب على أسلحة الصيد وذخائرها، وتحديد غرامات مالية موجعة بحق المخالفين.
هي بعض مقترحات، وإن كان الأمر يستدعي مجموعة كبيرة من الإجراءات، نضعها برسم من هم على صلة بهذا الملف… وللبحث صلة.