يجتمع حكام وقادة دول العالم كافة لمحاربة التغير المناخي، في السنوات الاخيرة، الذي غيّر معالم الطقس في مختلف البلدان وقلّص موارد البلاد الطبيعية . ورغم ان التفاؤل قد يبدّد في هذا المجال بسبب ارتفاع نسبة التلوث من جهة وتجاوب الطبيعة السريع مع الاحترار المناخي من جهة أخرى.. فإن التقدّم الحاصل في العمل على مشروع “ايتر” يفتح باب التفاؤل ولو على المدى الطويل او غير المنظور..
عرّاب هذا التفاؤل المهندس لوران باتيوس، الذي وجّه رسالته من قلب الحدث، من وسط الحفرة التي يتم فيها العمل على المشروع، قائلاً: “إننا نقف على الأرض التي يمكن أن تغير مستقبل الطاقة” !!
وبينما انهمك العالم باستعمال النووي في مجالات متعددة، ولأغراض سياسية مثل استخدام الاسلحة النووية فضلاً عن سلاح “هارب” المدمّر للبيئة بمختلف توجّهاته… جاء مشروع “ايتر” ليثبت للعالم ان استخدام النووي بطرق صحيحة يساهم في الحفاظ على البيئة ويأتي بالمنفعة الخاصة لكافة المواطنين في مختلف أصقاع الارض ..
ما هو هذا المشروع وكيف سيغيّر مستقبل الطاقة؟
مشروع ” ايتر ” هو عبارة عن مفاعل نووي حراري تجريبي دولي يختص بالاندماج والانصهار النووي ومشاريعه الهندسية، يهدف لتحقيق الانتقال الذي طال انتظاره من الدراسات التجريبية لفيزياء البلازما إلى محطات طاقة الاندماج النووي بغرض إنتاج الكهرباءعلى نطاق واسع.
وبينما تم بناء المشروع في جنوب فرنسا، أطلق العام 1985 بالتعاون بين فرنسا وعشرات الدول، ليكون اول مفاعل للاندماج والانصهار لتوليد طاقة صافية . وبين الدول المشاركة فيه، الصين والاتحاد الاوروبي والهند واليابان وروسيا والولايات المتحدة، وقد انضمت ايران في تموز العام 2016 الجاري الى قائمة الدول الداعمة له. يأمل العلماء التوصل إلى نتائج فعالة بمفاعل الإيتر وابحاثه ، بغرض تنفيذ مفاعل لإنتاج الكهرباء ربما في عام 2050 .
الجهة التمويلية للمشروع هي نفسها التي تديره وتتلخّص بالاتحاد الاوروبي، الهند ، اليابان، الصين، روسيا، كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. فيساهم الاتحاد الأوروبي المضيف للمجمّع “ايتر” بنسبة 45٪ من التكلفة أما الأطراف الستة الأخرى فتساهم بنسبة 9٪ لكل منهم.
بينما كانت تقديرات تكلفة مفاعل “إيتر” نحو 5,5 مليارات دولار في عام 2008 ، تغيّرت النظرة بحلول عام 2015 وتم رفع تقديرات كلفته الى حوالي 16 مليار دولار، في حين ذكرت بعض المعلومات كلفة لا تتخطى الـ 14,3 مليار دولار.
تعتمد فكرة الاندماج النووي على تنفيذ التفاعلات التي تجري في الشمس لإنتاج الطاقة، وقد تم تصميم المفاعل لإنتاج 500 ميغاواط من طاقة انتاج مدخلة تساوي 50 ميجاوات . أي أن انتاجه سوف يساوي عشرة مرات كمية الطاقة التي توضع فيه. ومن المتوقع أن تصل تلك الآلة الى تحقيق ذلك، إذ أن المفاعلات الصغيرة السابقة لم تحقق إنتاج طاقة من الإندماج أكبر من الطاقة المستخدمة لتشغيل التفاعل .
اما الهدف فهو نصب شركًا مكونًا من حلقة مغناطيسية ضخمة للبلازما، مما سيجبر نظائر الهيدروجين الثقيل على الالتحام مع بعضها لإطلاق كميات هائلة من الطاقة تضاهي أربع مرات طاقة انشطار ذرات اليورانيوم في مفاعلات الانشطار التقليدية. ولتحقيق ذلك، تم استخدام قفص مغناطيسي على شكل شطائر الدونات يسمي توكماك لمحاصرة البلازما. وقد تم بناء أكثر من 200 قفص صغير في جميع أنحاء العالم.
تبلغ مساحة الموقع طول 60 ملعبًا لكرة القدم، وسوف يصل وزن كافة الأبنية حول المفاعل 320 ألف طن وسيرتكز على دعامات من المطاط في حالة حدوث زلزال. أما المفاعل وحده فسوف يزن نحو 23 ألف طن، أي أثقل بثلاث مرات من برج إيفل. وهو يعد أحد أكثر المشاريع الهندسية تعقيدًا عبر التاريخ.
حقق هذا المشروع نتائج اولية جعلت مهندسه ينشر التفاؤل في العالم على انه المشروع الاول الذي حقق نجاحا مذهلًا في الحصول على أكبر كم ممكن من الطاقة من خلال تفاعلات الاندماج المكثفة.
في هذا الاطار، وفي حديث نشرته صحيفة the guardian ذكر مدير منظمة فيوجن للطاقة ، يوهانس شويمر، أن المشروع يقدم “رهانا مهما جدا للبشرية ، فنحن بحاجة للحصول على هذه الطاقة بشكل دائم”. في حين يقول مدير العلوم والعمليات في “ايتر”، دايفيد كامبل : ان المشروع يهدف إلى تكوين أول دفعة من البلازما بحلول عام 2025، ثم سيبدأ في إطلاق كرات الهيدروجين الثقيل والديوتيريوم والتريتيوم المجمدة بهدف توليد الطاقة. ويتم تكرير الديوتيريوم بسهولة من مياه البحر والصمامات مع التريتيوم الذي يتم حصاده من مفاعلات الانشطار . والهدف هو الوصول الى القدرة الانتاجية القصوى للطاقة بحلول عام 2035، وإذا كان الأمر كذلك، “ايتر” سيكون الأساس لمحطات الطاقة الانصهارية الأولى.” واكد على ان فريق العمل مقتنع بامكانية توفير مئات من الميغاوات عبر هذا المشروع ما يصل الى 10 مرات اكثر من الطاقة التي وضعت لتلك الغاية .
ورغم ان العمل يتطلب دراسة عقود من الفيزياء والهندسة، الا ان كامبل يشدد على ان ضمانة النجاح قوية جداً، وفسّر ان جاذبية الاندماج النووي تكمن في أنه نظيف وآمن ويوفر طاقة غير محدودة للعالم.
في السياق نفسه، اشار مدير عام المشروع برنارد بيغو، الى انه من المؤكد أن”ايتر” سوف ينتج طاقة وفيرة ورغم بساطة التقنية الا انها ستكون فعالة. وبالتالي شدد على ضرورة ان يفهم العالم ان عملية الانصهار المذكورة تساعد على توفير امدادات للطاقة في الكون اجمع لفترة طويلة جدا وربما الى الابد ، والهدف لا يقتصر على تأمين الطاقة ل10 او 20 عاماً المقبلة بل لملايين السنين .
متطلبات الطاقة في العالم تزيد بنسبة 3% كل عام، ومن المتوقع أن تزيد احتياجات الطاقة ما بين عامي 2008 – 2030 بنسبة 55%.. لذلك وبينما تستنزف موارد الطاقة في العالم سنوياً مع ازدياد الطلب عليها مع ما يحمله هذا الامر من تداعيات سلبية ترخي بثقلها على عملية الاحترار المناخي.
الا ان بيغو اكد أن تقنية الانصهار تأتي في الوقت المناسب لتلبية حاجة العالم للتحرك والوصول الى ” صفر انبعاثات ” في النصف الثاني من هذا القرن واعلان هزيمة ظاهرة الاحتباس الحراري.
هذا المشروع الذي جاءت فكرته بعد قمة ريغان وغورباتشوف عام 1985 إبان الحرب الباردة، شهد سنوات من الاضطرابات، حيث انسحبت الولايات المتحدة من المشروع بشكل كامل بين عامي 1998 و2003، وفي 2008، لذا فقد اضطر المشروع لمضاعفة ميزانيته ثلاث مرات وتأجيل موعد اكتماله منذ عشر سنوات الا ان العمل يجري اليوم على قدم وساق بانتظار النتائج المرجوّة .!