خلال سبع سنوات مرت على الحرب الدائرة في سوريا، رأى بعض الاطفال كيف يذبح ذووهم أمام أعينهم، كما اغتصبت فتيات عشرات المرات، ومن قبل عشرات الارهابيين، وأحرقت بيوت أمام أعين أصحابها، ونهبت المصانع والأملاك وهجرت قرى بكاملها، ولم تكن الاضرار مادية جسيمة فحسب، بقدر ما كانت تأثيراتها مدمرة على الصحة النفسية للبشر.

ففي تقرير لها عام 2015  كشفت وزارة الصحة في سوريا للمرة الأولى عن حجم الضرر النفسي الذي تعرض له السوريون، مشيرة الى أن الاضطرابات النفسية قد ازدادت بنسبة 25 بالمئة عما كانت عليه قبل اندلاع الحرب، وأن محاولات الانتحار قد ارتفعت بشكل لافت للانتباه، ويضيف التقرير أن  40 بالمئة من عامة السوريين يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي.

في هذا السياق يرى الدكتور مازن خليل، المدير العام لمشفى البشر للأمراض النفسية والعصبية في حرستا، متحدثاً لـ greenarea.info  أن “انتشار الأمراض والاضطرابات النفسية مثل التوتر، الرهاب (فوبيا)، الكآبة والضغط النفسي، يزيد في المناطق التي تتعرض للحروب والنزاعات، بنسبة 20-25 بالمئة عما هو عليه في المناطق الآمنة”، كما تزداد الحالات التي يعاني اصحابها من اضطرابات السلوك، لا سيما السلوك العدواني عند الاطفال الذين فقدوا آباءهم او اهلهم في الحرب.

ويتحدث الدكتور خليل عن تجربته الشخصية مع المرضى في المستشفى (البشر) اثناء الحرب، فيقول: “حوصرتُ مع المرضى في المستشفى الموجود في منطقة حرستا، لمدة 25 يوما في نهاية عام 2012، وتحت القصف والدمار خضعنا للامر الواقع، فقمنا بتسليم كل المرضى الى ذويهم، مع الابقاء على مريضة واحدة لعدم وجود تواصل مع أهلها المفقودين على الاغلب، ومع كل هذا ورغم صعوبة الوصول اليه، الا ان المستشفى لا يزال مفتوحاً وما أزال امارس عملي وان بشكل أقل بسبب الظروف”.

ويتابع: “رغم القصف على بعد امتار من المستشفى، ورغم ان بعض القذائف كانت تسقط داخل المستشفى، الا ان أحداً من المرضى لم يصب بأذى، غير أننا لاحظنا أن توترهم وخوفهم قد ازداد، كما ازداد اهتمامهم ببعضهم فصاروا يتفقدون بعضهم البعض”.

ويؤكد خليل انه “نتيجة لظروف الحرب القاسية ازدادت حالات الــp.t.s.d    (اضطراب الشدة بعد الرض الناجم عن الصدمة النفسية)، تحدث هكذا حالات نتيجة التعرض للعنف الجسدي أو الجنسي، أو لمشاهدة قتل أو ذبح الآخرين، أو التواجد في مناطق ساخنة نتيجة أصوات الرصاص والانفجارات، كما لاحظنا زيادة في حالات الاكتئاب والقلق والرهاب عند البالغين ذكورا واناثا، أضف الى ذلك كله زيادة في اضطرابات السلوك عند الأطفال خصوصا من فقدوا آباءهم”.

وأخيراً، وفي نظرة ايجابية، يرى خليل أنه “من فوائد الحرب أن المجتمع أصبح يتقبل وجود المرض النفسي، ولا يخجل من طلب العلاج، كما كان رائجاً قبل الحرب”.

من جانبه، يقول الصيدلاني مروان الشعار (لم يغادر حلب رغم كل سنوات الحرب)، وفي اتصال أجراه معهgreenarea.info  أن” في عام 2014 كان هناك ارتفاع ملحوظ في مبيعات الحبوب المنومة والأدوية المضادة  للكآبة والقلق، بلغت نسبته 30 بالمئة عما كانت عليه عام 2011″.

لقد أجبرت الحرب في سوريا واليمن وبعض دول العالم ، خبراء الصحة النفسية في العالم، على مواجهة السؤال: كيف يمكن أن يستعيد الشعب السوري صحته النفسية بعد سبع سنوات مليئة بمظاهر القتل والتعذيب والإغتصاب وعمليات الاختطاف؟ أجبرتهم على النظر في  حالات مرعبة من القلق والرهاب (فوبيا) من الآخر، كتلك التي  جعلت بسام الذي يعيش في بلدة في ريف حماة، يفقد النطق، والذي تحدثت والدته لــ greenarea.info  قائلةً: “لقد قُتل والده أمام عينيه، وقامت المجموعات الارهابية قبل قتل الوالد بتعذيبه وقلع أظافره، وعلاوة على ذلك فقد هجرنا من منزلنا بقوة السلاح وبطريقة مذلة ومهينة جداً”.

لم تصب البشرية في تاريخها بأمراضٍ أكثر فتكاً من تلك التي تسببها هذه الحروب، فمن الكوليرا والحصبة، الى التهاب الكبد الوبائي وشلل الأطفال، مروراً بمجموعةٍ كبيرةٍ من الأمراض النفسية، نتساءل: ماهو دور المنظمات الانسانية والدولية غير الحكومية NGO في التأثير على سياسات الحكومات التي تشن حروباً، تسبب كوراث انسانية، صحية، بيئية، مثل تلك التي تحصل في سوريا اليوم؟

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This