في أواخر العام 2016، حذّر عالم المناخ في “معهد ماكس بلانك للكيمياء” جوش ليليفلد، من ان مناطق شمال أفريقيا حارّة بالفعل، ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة فيها، وفي لحظة ما خلال هذا القرن سيصير جزءٌ من هذه المنطقة غيرَ صالح للحياة، وهذا يحدث لمنطقة تمتدُّ من المغرب وحتى السعودية (آسيا).

فكان للسودان الحصة الاكبر من التحذير، ورغم ثرواته الطبيعية الهائلة، الا ان انحاء كبيرة منه ستصبح تدريجياً غير صالحة للزراعة، فضلاً عن الفيضانات التي ساهمت في تأجيج هذه الازمة وشرّدت اكثر من 600 الف شخص منذ العام 2013.

وأشار مركز رصد النزوح الداخلي (IDMC)إلى أن الأمطار غير المنتظمة دمَّرت المحاصيل، وأدت الى ارتفاع نسبة الجفاف.

وأكّد الخبراء أنه إذا لم يحدث تدخل فوري، سوف تصبح مناطق متعددة من هذا البلد الأفريقي غير صالحة للحياة، نتيجة للتغير المناخي.

هنا تكمن المشكلة الحقيقة، بحيث ان هذا التحذير يمكن ان يطلق صافرة إنذار أساسية لتحرّك السلطات السودانية، واستنباط الخطط الانمائية والاستراتيجيات الوطنية لحماية الثروات من الاندثار. ويلتقي كل من زار الاراضي السودانية وبالأخص العاصمة الخرطوم، على ان مواردها الطبيعية تسمح لها بأن تكون من اجمل الدول بيئياً ومن أغناها مادياً. الا ان الصراعات بين جنوبها وشمالها أدت الى تركيز الاطراف على الانتصارات السياسية بعيداً من الاستفادة من ثروات طبيعية كان يمكن لها ان تغيّر وجه البلد. واكبر دليل على ذلك غياب نظام يسهّل الاستفادة من مرور نهر النيل الازرق والابيض في أراضيها، الامر الذي يساعد على نمو القطاع الزراعي بشكل كبير جداً، إلا ان ثروات السودان تبقى خاضعة لأطماع الدول الكبرى وهي دائما في المرصاد!

فالسودان من أكبر الدول من حيث المساحة في أفريقيا والـوطـن العربـي، وتـحتـل المرتبـة العاشرة بين بلدان العالم الأكبر مساحة، تقع في المنطقة المدارية، ولـذلك تتنوع الأقاليــم المناخيـة السودانـيـة من المـناخ الصحراوي إلى المناخ الاسـتوائي الامر الذي ساهم في تنوع الثروات الطبيعية.

وبينما يشير التحذير الى ان السودان قد تصبح من اولى الدول التي يسيطر عليها الجفاف، تكمن المفارقة بأن اهم ثروات هذا البلد بالدرجة الاولى “الماء” تليه الأراضي الزراعية، والثروة الحيوانية، والبترول، اليورانيوم والثروة المعدنية.

وتشير الأرقام الى أن السودان تملك نحو 200 مليون فدان صالحة للزراعة تمثل نحو 45 بالمئة من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية العربية، لا يستغل منها الا 20 بالمئة فقط من إجمالي هذه المساحات الشاسعة بسبب الإهمال وتدني الإنتاجية، ووكانت دراسات قد صدرت من كرسي اليونسكو أشارت إلى أن 70 بالمئة من المساحة بالبلاد مهددة بالتصحر، وأن 13 ولاية تغطي الصحراء جزءا منها، وأكدت أهمية وضع خطة قومية للتصحر والجفاف وتأمين حزام الصمغ العربي ومصدات للريح وعمل أحزمة شجرية وغابية.

كما تملك السودان أكبر ثروة حيوانية عربية وأفريقية بنحو 150 مليون رأس من الماشية، إضافة لخمسين مليون من الدواجن ونحو 100 ألف طن من الأسماك من المصائد المختلفة.

في هذا السياق، تؤكد ميشيل يونتاني، كبيرة مستشاري الأزمات في IDMC، أن السودان كان أحد أكثر البلاد عرضة للتغير المناخي، وبالتالي للأمن الغذائي، وهو اليوم يحتل المرتبة 98 بين 113 دولة على مؤشر الجوع العالمي، كما أنه أحد أكبر 15 دولة يهددها انعدام الأمن الغذائي.

وتحدثت عن ان الجفاف يزيد التصحر، ما يؤثر بدوره على “حزام السافانا” في شمالي البلاد، وهكذا فإن هذه الصحاري “تأكل” مدناً بأكملها.

مع ذلك، يقول مدير برنامج الأغذية العالمي WFP في السودان، ماركو كافالكانتي، إنه لم يفت الوقت لتغيير مستقبل هذا البلد، ويمكن السيطرة على الانجراف نحو هذا الاتجاه، إذا اتُّخذت الإجراءات الصحيحة.

في هذا السياق، أطلقت الحكومة السودانية خطة للتكيف المتجدد في تموز (يوليو)  2016، من خلال استراتيجية لحماية السودانيين، لا سيما في المجتمعات الريفية. وحدَّد وزير البيئة السوداني خطط التكيف في كل منطقة بالبلاد. وتضمَّنت الاستراتيجيات أنواعاً متعددة من المحاصيل المقاومة للجفاف، التي يمكنها تحمّل التغيرات المناخية، وتقنيات ري أكثر كفاءة، ووسائل تخزين أفضل للمحاصيل.

وبينما شدد تقرير الـ  IDMC على خطط حفر المزيد من الآبار لتعويض ندرة المياه، يساعد برنامج الأغذية العالمي السودان على تشييد (خزانات مياه) كي تساعد في الاحتفاظ بالمياه وزيادة المحصول في السنوات قليلة الأمطار.

رغم المبادرات المحلية السودانية، الا ان التغيرات تبقى مقيّدة، اولاً بغياب سياسات انمائية بيئية على صعيد الوطن، وثانياً بجديّة استيعاب حقيقة المستقبل المر الذي تتجه صوبه السودان “بلد الثروات الطبيعية بامتياز”، يلي هذه الضروريات حاجة فعلية للسيولة لمساعدة البلد على مواجهة التغير المناخي ورصد الخطط المطلوبة للتكيف مع قضايا مهمة مثل انخفاض درجات الحرارة ومقاومة التصحّر، والبحث عن أفضل الأراضي الصالحة للزراعة والعيش والتعليم في المجتمعات.

لا يقتصر هذا التنبيه على دولة السودان فقط، بل يتعداه ليطاول مختلف الدول الاخرى ومنها العربية، فإن ظاهرة الاحتباس الحراري لا تطاول بلداً دون آخر ولا تميّز بين دول فقيرة وأخرى غنية، بل انها ظاهرة تنشر نتائجها السلبية في كافة انحاء العالم. وبالتالي لا داعي لان يطرق التحذير بانتهاء مستقبل بلد ما قبل أوانه، بل يجب ان تكون السياسات التنموية ورسم الخطط البيئية من أهم البنود المطروحة للبحث من قبل جميع المسؤولين والمعنيين في هذا المجال.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This