كيف نشأ علم الأحياء الاصطناعية؟ سؤال ظل حتى الأمس القريب يؤرق العلماء والخبراء، فقد تمكن هذا العلم الناشىء أن يحدث تحولا عالمياً في نظرة الإنسان إلى الحياة، خصوصا وأن علم الأحياء الاصطناعية بما لاقى من اهتمام استثنائي تمكن من جذب الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى، وسط توقعات أن يحدثَ تحولا في حياتنا كبشر، وإن كان الأمر يتطلب بعض الوقت، خصوصا وأن مرحلة الأبحاث تفترض ملاقاتها بتحقيق ابتكارات جديدة، وفي مجالات عدة، بالاستناد إلى ما خلصت إليه هذه الأبحاث.
ويتبدى سؤال آخر، ما قيمة هذا العلم الجديد؟
حتى الآن ليس ثمة دراسات يمكن الاستناد إليها من المراجع العلمية العربية، وثمة تقصير من قبلنا في طَرْقِ هذا العلم وفهمه والتبحر فيه، حتى أن النصوص العربية قليلة، كي لا نقول أنها نادرة، ولا بد من الاعتراف أن الغرب سبقنا في هذا المجال، وهو يعلق آمالا كبيرة على “الأحياء الاصطناعية”، خصوصا في مجالات حيوية ومهمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما له علاقة بتقديم مصادر جديدة للطاقة والمواد، إضافة إلى توفير علاجات لأمراض عدة، فضلا عن الاستخدام الذي يعد واعدا في مجال ما بات يعرف بـ “الطب التجديدي”.
وتبقى ثمة مشكلة مرتبطة بنقص التمويل، الأمر الذي يشكل عائقا أمام التطوير المستقبلي المنتظر في هذا المجال، إلا أن هناك سباقا غير معلن بين الدول العظمى، وثمة من يرى أن الولايات المتحدة الأميركية لن تبادر إلى زيادة تمويل العلوم الأساسية خلال السنوات الخمس المقبلة. فيما ستدعم أوروبا والصين الأبحاث الأساسية في مجال الأحياء الاصطناعية، وثمة من يتوقع أن يفوزا بقصب السبق في نهاية المطاف.
ولا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى أن علم الأحياء الاصطناعية، يعني بمفهوم مبسط “إعادة تصميم النظم البيولوجية الطبيعية القائمة لأغراض مفيدة”، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، ذلك أن تطوير تقنيات جديدة قد لا تكون محصورة بمنافع بشكل صرف، وربما تكون ثمة مخاطر كبيرة جراء استخدام هذه التكنولوجيا الجديدة.
كيف نشأ علم الأحياء الاصطناعية؟
في مطلع القرن الحالي، “أحدثت ورقتان بحثيتان بارزتان ثورة في قدرتنا على تصميم وظائف جديدة تماما داخل الخلايا. اختار المؤلفون دائرتين كهربائيتين (دائرة تذبذبية وأخرى بمفتاح)، وبنوا دوائر مماثلة من المادة الحية وتحولت الحياة إلى آلة”، بحسب دورية “الطبيعة” العلمية المتخصصة.
في كتابها بعنوان “اصطناعي” Synthetic، تشير المؤرخة العلمية صوفيا روسث إلى تاريخ مغامرات العلماء الفاعلين في هذا المجال، ولا سيما منهم اختصاصي الهندسة الحيوية درو إندي، واختصاصي هندسة الحاسبات توم نايت. وتأتي على ذكر حلم عالِم الأحياء جورج تشرتش بإعادة إحياء الماموث الصوفي.
ومن المتوقع أن تحدث منتجات الأحياء الاصطناعية، بعد إعادة هندستها ثورة في كيفية انتاج الوقود، وتنظيف النفايات الخطرة والتفاعل مع البيئة وعلاج الأمراض التي تصيب البشر، فضلا عن أن علم الأحياء الاصطناعية قد يمثل طفرة تقنية هائلة، ويعمل مهندسو الأحياء الاصطناعية على ابتكار تكنولوجيا جديدة من الطبيعة، وهم بذلك يكتبون قاعدة رمزية جديدة للبشرية، لينتقلوا بعلوم برمجة الأحياء من عالم لا يمكن التنبؤ به، إلى واقع من الممكن توقعه.
ولا نستغرب في المستقبل أن يغير هذا العلم طريقة التفكير التقليدية في مختلف نواحي حياتنا التي سيرسم حدود معالمها مهندسو علم الأحياء الاصطناعية.