حبيب معلوف – السفير
فيما لا تزال وتيرة الاهتمام بموضوع النفايات عالية نسبياً تحت ضغط إيجاد البدائل قبل استنفاد مهلة الخطة الطارئة مع توقّع نهاية قدرة مطمر الكوستا برافا الاستيعابية قبل أوانها، برز اهتمام مفاجئ بالإعلان عن فتح موسم الصيد!
فتحت صفحة «بيئة» في «الأخبار» ملف الصيد البري (البربري) باكراً واستباقاً وتحذيراً لمحاولات ما يسمى «فتح الموسم»، الذي يعتبره علماء الطبيعة المستقلون، محاولة «لتشريع إبادة الطيور» في لبنان، إلا أن إصرار المنتفعين غلب على تحفّظ العلماء، على ما يبدو!
لم يعد خافياً أن كلّ شيء على هذه البسيطة بات لا يتحرك إلا مع تحرك شبكات كبيرة من المصالح، إلا أن ذلك لم يمنعنا من الإصرار على الاستمرار في الاعتراض والتحذير… ونحن نشهد على انهيار المنظومات الطبيعية وعلى أسس ومقومات حياتنا وحياة الأجيال القادمة.
في السنوات الأخيرة دخلت على قطاع الصيد البري شبكات مصالح جديدة. فلم يعد الأمر مقتصراً على تجار أسلحة وأدوات الصيد وذخيرتها… دخل إليها أيضاً، بموجب مراسيم تنظيمية لما يسمى «تنظيم الصيد»، نوادي الرماية والتدريب وشركات التأمين وشبكة ما يسمى «خبراء» وجمعيات وإعلام وأمن وتراخيص حمل أسلحة وهواة… يتسابقون على الاستثمار في ما بقي من أجمل المخلوقات الطبيعية المستضعفة كالطيور البرية!
وكنا نأمل أن تستمر وزارة البيئة في تأجيل إطلاق موسم الصيد، لحين تعديل القانون الذي وُضع في ظروف غلبت فيها شبكة مصالح معينة على دعاة حماية الطيور، مصدر الخير والحياة… ووقف العمل بالمراسيم التي لا معنى بيئياً لها ولن تكون حصيلتها إلا تشريع إبادة الطيور في ظلّ وضع سياسي واقتصادي واجتماعي مُفسَد، يستبيح كلّ شيء. ولعل حجتنا الدائمة في هذه المعمعة التي بدأت عام 2004 مع طرح قانون الصيد البري للتعديل، لا تزال هي نفسها: «الدولة التي لا تستطيع أن تطبق قرار منع الصيد البري الكلّي (الأسهل)، كيف يمكن أن تنظم الصيد (الأصعب)؟!». فمن الذي سيميز بين الأنواع الممنوع أو المسموح صيدها؟ ومن يضبط الأوقات والأعداد؟ ومن يضحك على من؟
تسرّع وزير البيئة في فتح الموسم أول من أمس، قبل أن يدرس الملف جيداً. ولكن لا يزال بإمكانه التراجع وطلب إعادة النظر بالقانون والتشدد في تطبيق قرار المنع الكلي للصيد البري. ونرجو أن لا يتسرع أيضاً في الموافقة على إنشاء محارق نفايات، كخيار غير مؤقت وطارئ، قبل الانتهاء من إعداد ومناقشة استراتيجية مستدامة لإدارة النفايات. وكما قلنا سابقاً، قدر وزارة البيئة (ووزيرها)، في بلد مثل لبنان، لا يزال يعتبر أن رأسماله الأساسي وقيمته التفاضلية هو بيئته الطبيعية، أن يكون محافظاً ومتحفظاً على المشاريع والاستثمارات المشكوك بأنها تؤثر سلباً في المحيط. وقدره أيضاً أن يكون في غاية السلبية دائماً وأن لا يجد أي حرج في قول الـ «لا». لا لتنظيم قتل الطيور. ولا لتشريع المحارق وحرق الموارد. أو على الأقل، أن يستمر في رفع هذه الـ «لا»، لحين إنجاز الاستراتيجية البيئية الشاملة لوزارته وللدولة اللبنانية، واستراتيجية القطاعات الأساسية المترابطة. وللحديث صلة.