تتصدر موسم النباتات البرية (السليقة) نبتة تعتبر الأشهر في جبل لبنان والبقاع، تعرف باسم غريب وهو “مُـخُّو بْـــعِــبُّــو”، أما في الموسوعات النباتية العربية فتعرف بالـ “طرخشقون”، واسمها العلمي Taraxacum، وثمة من يعرِّف عنها بالـ “طرخشقون الحلبي”، وليس ثمة خارطة تبين مواقع انتشارها في المنطقة العربية والعالم.
تنمو هذه النبتة البريّة بين الصخور، وتعتبر منشطة لعمل الكبد وتساعد مرضى الروماتيزم، وهي نبتة تؤكل نيئة لمذاقها الطيب وتُعدّ للسلطة فقط، وهي مغذّية ويكفي أنها تنمو في الطبيعة بعيدا من الملوثات والمغذيات الكيماوية.
لماذا “مُـخُّو بْـــعِــبُّــو”؟
تبدو التسمية للوهلة الأولى غريبة، لكنها معروفة في جبال لبنان والبقاع باسم “مُـخُّو بْـــعِــبُّــو”، وتعتبر الأكثر شهرة بين أنواع “السليقة” البرية، تشبه إلى حد ما “الهندباء البرية”، لكنها مختلفة عنها كون أوراقها ملتصقة بالأرض، أي أنها لا ترتفع كأي نبتة عادية، وتتمدد دائريا فتبدو ملتصقة بالتراب، ومن ثم ترتفع من وسط النبتة أزهار عدة صفراء طويلة، وفي هذه المرحلة تصبح غير صالحة للاستهلاك بسبب تصلب أوراقها، وتطرح الزهرة بذارا مع بداية الصيف فتجدد تلقائيا عاما بعد عام.
وجاءت تسمية “مُـخُّو بْـــعِــبُّــو” كون هذه النبتة المحببة لدى المواطنين والتي تكثر في الأراضي الجرداء في هذه الفترة من كل عام، لها خاصية مميزة، ذلك أنه ما ان تقطع النبتة بالسكين من كتلتها الجذرية حتى تنكمش نحو منبت الجذور وتأخذ شكلا كرويا، فيبدو منبت الجذور كرأس (مخ) مختبئ في حضن (عب)، وهو هنا عبارة عن مجموع الاوراق الملتفة على نفسها.
في الماضي كان الـ “مُـخُّو بْـــعِــبُّــو” يتصدر مائدة الفلاحين ومرتبطاً كغيره من أنواع الأعشاب البرية بنمط حياة القرية، إلا أنه في فترة الرخاء الاقتصادي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وانتشار الزراعات المحمية، واعتماد أنواع من الخضر الوافدة تراجع الاهتمام بالبرية وما تغدق من خيرات لا تتطلب الا قطافها وحسب، إلا أننا في هذه الفترة ومنذ سنوات عدة بدأ المواطنون ينتظرون موسم الـ “مُـخُّو بْـــعِــبُّــو” نتيجة العوز من جهة أو البحث عن غذاء صحي لا تدخل فيه الكيماويات من جهة ثانية.
التمدد العمراني وتغير المناخ
وتقول سلمى ضو من المتن الأعلى: “في فترات القحط والحروب والمجاعة كان آباؤنا يلجأون إلى الطبيعة وكانوا يعرفون كل نبتة وخبروا فوائد كل منها ونحن تعلمنا منهم وعلمنا أبناءنا، وكان أشهرها نبتة الـ (مُـخُّو بْـــعِــبُّــو) لطعمها الطيب وأتحدى أن يجد أحدهم نبتة أطيب مذاقا منها كنوع من السلطة”.
أما الخبير في الحياة الطبيعية والبرية شمعون مونس فأشار إلى أن “لهذه النبتة منافع لا تحصى وهي مقاومة للأمرض ومقوية لجهاز المناعة وغنية بالفيتامينات، فضلا عن أنها تنمو بعيدا عن الملوثات والكيماويات وتؤكل نيئة”، لكنه لفت إلى أن “الـ (مُـخُّو بْـــعِــبُّــو) لم يعد موجودا كما كان الامر عليه قبل عشرين سنة بسبب التمدد العمراني والمقالع والكسارات فضلا عن التغير المناخي”.
وأكد مونس أن “انحباس المطر يساهم في تضرر النباتات البرية”، لافتاً إلى أنه في السابق “كنا نحصل على كميات كبيرة في رقعة ارض صغيرة أما الآن فلا بد أن نقطع مسافات طويلة ونحصل على كميات أقل”.
مصدر رزق
ولفت منير الصايغ (بائع خضار) إلى أن “نساء كثيرات يعتشن من (السليقة) ونحن نشتري منهن الـ (مُـخُّو بْـــعِــبُّــو) وأنواع عدة مرغوبة من المواطنين الحرصاء على صحتهم ونوعية غذائهم”.
فيما يشير مونس إلى “اننا وجدنا صورا في الموسوعات النباتية العالمية لكن الامر بحاجة الى دراسة أكثر، لان بعض النباتات متشابهة الى حد بعيد ووجدنا عدة أنواع لا نوعا واحدا مشابها لها”، وقال: “نحن الآن بصدد تصنيف النباتات البرية الصالحة كغذاء ودواء، لكن ذلك يتطلب بعض الوقت، على أمل أن نصدر دليلا مصورا عن هذه النباتات وفوائدها الصحية والغذائية والطبية”.
