لم يشأ الفتى أحمد ترك طائر عاجز ومصاب في البرّية، فعمل ما بوسعه وتمكن من نقله إلى منزله في بلدة القلمون (شمال لبنان)، على الرغم من أن الطائر ينتمي إلى فصيلة الجوارح، ويتطلب دراية في التعاطي معه، إذ قد يبادر للهجوم والدفاع عن نفسه بمنقاره ومخالبه، ولم تعنِ له المغريات المادية شيئا عندما تقدم البعض لشرائه بقصد الاتجار به، لكنه قبل أن ينقل إلى مركز متخصص بمعالجة الطيور.
ينتمي أحمد إلى جيل صاعد بدأ يعي أهمية البيئة وكائناتها، وما وثقه موقعنا greenarea.info لجهة متابعة هذا الطائر مع أحمد وعائلته وكشاف البيئة والنائب السابق الدكتور قيصر معوض، يمثل سابقة في لبنان، ويقدم نموذجا مغايرا لما نشهد من ارتكابات تطاول الطيور والحيوانات الأليفة والبرية.
إعادته إلى مكانه الطبيعي
تلقت جمعيتنا “Green Area الدولية” أول أمس طلبا ومناشدة لإنقاذ طائر جريح في بلدة القلمون، من قبل “عائلة المرحوم عادل بيضا” التي تواصلت معنا، وأبلغتنا أن ولدها أحمد “عثر على طائر خلال نزهة في الطبيعة مع اصدقائه”.
وأشار أحمد لـ greenarea.info إلى ان “الطائر كان فاقدا القدرة على التحرك فأحضرته الى منزلي لمداواته وحاولت الاهتمام به واطعامه في المنزل”، وقال: “لكن شعرت بالخوف على حياته، ففضلت الاتصال بمركز للطيور لمعالجته ولكنني لم أفلح في ذلك”، ولفت أحمد إلى أنه “بعد أن سدت في وجهي كل السبل بعثت برسالة الى موقعكم، طالبا المساعدة”.
أحمد اليافع في السن هو خير مثال لأترابه، قدم نموذجا أثلج صدورنا، في مجتمع يتفاخر بمجازر الصيد ويعتبرها “بطولة”، وأكد أحمد لموقعنا انه “عرض علي بيع الطائر ولكنني رفضت وكنت مصرا على مداواته”، وشدد على “إعادة اطلاقه في الطبيعة مجددا بعد مداواته لانها مكانه الطبيعي”.
كشافة البيئة
تجدر الإشارة في هذا المجال، إلى أن جهودنا تركزت على سبل نقل الطائر من منزل عائلة بيضا في القلمون إلى مركز للمعالجة، فكان ثمة اتصال مع “جمعية كشافة البيئة في طرابلس” المهتمة والمتابِعة للشؤون البيئية، من خلال القائدين الكشفيين هشام عباس ووسام رجب، ورحبا بالتنسيق مع greenarea.info تطوعا لنقل الطائر الى مكان يعنى بالطيور، خصصه الطبيب الجراح النائب السابق قيصر معوض منذ سنوات لاستقبال الطيور ورعايتها، واقامة الدراسات العلمية عليها في مجدليا – قضاء زغرتا في شمال لبنان، وقاما بإيصال الطائر وسلماه للدكتور معوض.
وأكد عباس أن “الكشاف كرس عمله ونشاطه لخدمة البيئة وإننا متطوعون للخدمة من أجل بيئتنا ولمواكبة كل ما شأنه أن يحمي الحياة البرية في هذه المنطقة، ويساهم في حماية البيئة والمحيط”، واعرب عن “استعداد الكشاف لتقديم الخدمات التي من شأنها ان ترفع من مستوى وعي المواطن وتساهم في حماية المحيط الحيوي للانسان”.
عيتاني
عضو هيئة التوعية والتدريب في “مركز الشرق الاوسط للصيد المستدام” المصور والناشط فؤاد عيتاني أشار لـ greenarea.info إلى أن “الطائر يعرف بـ (مرزة المستنقعات) Marsh harrier، وهو من الطيور الجارحة وينتمي الى الفصيلة البازية Accipitridae واسمه العلمي Circus aeruginosus”.
وقال عيتاني: “هو طائر متوسط الحجم ينتمي إلى فصيلة المرزات، يصل طوله الى55 سنتم وحجم فتحة الجناحين الى 130 سنتم. لون الذكر بني محمّر يتداخل به اللون الأصفر عند الرأس و الاكتاف والصدر، اما لون فتحة الجناح فهو رمادي فاتح يتداخل به الاسود عند الاطراف، ولون ذيله رمادي ايضاً، اما الانثى فتتميز بلونها البني الذي يتداخل به اللون الأصفر عند الرأس والاكتاف، اما الارجل والاعين فلونها اصفر”.
وأشار إلى أن “مرزة المستنقعات تقوم بالطيران على مسافات منخفضة من سطح الارض بحثا عن فرائسها من قوارض وطيور وسحالي وأسماك وحشرات، وتبدأ فترة التكاثر في فصل الربيع حيث يتزاوج الذكر مع اكثر من انثى، تقوم طيور مرزة المستنقعات بصنع عش من العيدان والحشائش على الارض او بين الاعشاب. تضع الانثى معدل 5 بيضات وتحضنها لحوالي خمسة أسابيع قبل أن تفقس الصغار وتغادر العش بعد أربعين يوماً”.
وتابع عيتاني: “يتواجد طائر مرزة المستنقعات في المناطق المفتوحة كالاراضي الرطبة وخصوصا تلك التي تحتوي على القصب والاعشاب، مثل مستنقعات عمّيق وكفرزبد في سهل البقاع. وتمر هذه الطيور فوق لبنان خلال هجرتها في فصلي الربيع والخريف ويقيم بعضها عندنا في فصل الصيف ايضاً”.
ولفت إلى أن “هذا الطائر يتعرض في غياب الضمير وغياب الرقابة للقتل والرمي من قبل القواصين الجهلة الذين لا يفهمون في الصيد سوى اطلاق النار”.
معوض
وفي متابعة لوضع الطائر، أشار الطبيب المختص في الجراحة العامة والنائب السابق والناشط في المجال البيئي الدكتور قيصر معوض، وأحد مؤسسي “حزب الخضر اللبناني” لـ greenarea.info بعد إيصال الطائر إلى مركزه ومعاينته إلى أن “جناحيه غير مصابين”، لافتا إلى “أن الإصابة في ساقه وقد اخترقتها (حبة خردق) من بندقية صيد، ويمكن أن تكون قد شلّت العصب لأنه لا يستطيع تحريكها بشكل صحيح، ولا يجوز أن نمسها”.
وقال: “لدينا منطقة مساحتها 25 مترا وفيها أعشاب وقد تركناه فيها، ونضع له قطعا من اللحم، وهناك طيور عدة يتناول غذاءه معها ولا مشكلة في هذا المجال”.
وأضاف معوض: “كان نشاطه أمس (الجمعة) صباحا جيدا، خصوصا حركة جناحيه، لكن المشكلة كما أسلفت في ساقه اليسرى، ويمكن أن يستمر الشلل في أصابعه، وهذا ما يؤثر عليه، ولا نعرف إن كان بمقدوره الطيران، وسنبقيه أياما عدة تحت المراقبة، ولا يمكن إطلاقه في الطبيعة الآن، خوفا من عدم قدرته على الطيران ما قد يؤدي إلى نفوقه”.