ما حدث ويحدث في عين دارة، اتخذ هذه المرة “تكتيكا” جديدا تمثل بحملة إعلامية وإعلانية تسويقا لـ “معمل الموت” (التوصيف لأهالي عين دارة والجوار) التابع لبيار وموسى فتوش، فبعد سياسة الاستدعاءات القضائية بحق العديد من أهالي عين دارة، ممن انتقدوا المصنع ورفضوا وجوده، والبعض منهم استدعي ما لا يقل عن خمس مرات، بالاستناد إلى مواقفهم على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وما تبعها من سياسة “كم الأفواه”، تم استصدار قرار قضائي يمنع محطة مرئية لبنانية من تناول أي خبر أو حدث يخص المجمع الصناعي، أو “آل فتوش وكرامتهم”، بعدها بدأت مؤسسات إعلامية بمتابعة الحملة، فأنى توجهنا تطالعنا لافتات إعلانية لـ “إسمنت الأرز”، فضلا عن حملات موازية في وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وإن “كانت هذه التسمية تناقض الواقع تماما”، وذلك بحسب ناشطين “عينداريين”.
وتساءل هؤلاء عبر greenarea.info “بعد كل ما وثق من مراجع علمية حول آثار صناعة الإسمنت الكارثية، كيف يلتقي الأرز مع سموم يطلقها الإسمنت والباطون المسلح في المجمع الصناعي المزمع إقامته في أعالي عين دارة على ارتفاع 1500 متر، على مرمى حجر من محمية أرز الشوف؟”، وأكدوا أن “هذه المنطقة من المفترض تشجيرها بالأرز لا بـ (غرس) مجمع صناعي يتضمن صانعة الاسمنت”، ولفتوا إلى أن “كسارات المنطقة والمقالع الموجودة استنزفت تربة هذه الجبال، وحولتها إلى تضاريس مشوهة ميتة، لم تحاول إدارة هذه الكسارات وممارساتها المميتة إعادة استصلاحها حتى الآن”.
مشروع إقتصادي وبيئي؟
ومن المؤكد، أنه لا يقف أي شخص لبناني وفي حالة البلد الإقتصادية المزرية بوجه أي عمل اقتصادي يجلب فرص العمل بالآلاف، ولا يرفض أحد مؤسسة تبغي الربح إنما تقوم بعمل مستدام، كما يُرَوَّج لهذا المصنع، ولكن من التجارب السابقة وعلى مدى أكثر من 25 سنة، عانى أهل عين دارة والقرى المجاورة من ممارسات الكسارات والمقالع في جرود عين دارة ومن كل المرتكبين.
“ما يروج له المكتب الإعلامي للمجمع الصناعي أن المستهدف هو آل فتوش فحسب سياسيا وطائفيا وليس بقية الكسارات والمقالع هو بهدف الظهور بمظهر الضحية، وإن كانت الضحية الأولى هي الأنظمة الإيكولوجية لهذه المنطقة، التي تحولت نتيجة الممارسات الجائرة إلى أرض يباب من المستحيل استعادتها كونها قضمت جبالا بأكملها”.
هذه الكلمات لناشط بيئي من عين دارة، قال لـ greenarea.info “لن أذكر اسمي ليس خوفا، وإنما حرصا على وقتي وعملي ولست في وارد هدر هذا الوقت على أبواب المحاكم”.
بيان عائلة يمين
وفي السياق، أرسلت عائلة يميّن من عين دارة بيانا أكدت فيه التزامها “مع أهالي عين دارة برفضها انشاء ما وصفته بـ (معمل الموت) في أراضي البلدة بالقوة، وعلى مقربة من البيوت السكنية على الرغم من الطعن القانوني الذي تقدم به أهالي القرية، وبعد أن تم رفضه في أكثر من منطقة وحتى من زحلة مسقط رأس آل فتوش، لأضراره البيئية والصحية على الطبيعة والإنسان”.
جاء البيان بعد “حديث أدلى به أحد مخاتير البلدة شربل يمّين على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية مدافعا عن هذا المجمع الصناعي”، مؤكدين أن “ما أدلى به هو رأيه الشخصي ويخالف رأي العائلة بأكملها المعارض لإنشاء هذا المعمل”، وأعلنوا أنه لم “يعد يمثل عائلته أو ناخبيه، بسبب هذه المواقف المشبوهة، خصوصا أنها خارجة عن إجماع عائلته وعائلات عين دارة”، وختم البيان أن “العائلة باقية على العهد وعلى مواقفها الرافضة لإنشاء معمل الموت”.
الأحمدية: كارثة بيئية
وقال رئيس جمعية “طبيعة بلا حدود” الدكتور المهندس محمود الأحمدية لـ greenarea.info: “هناك أسباب عدة موجبة لمنع بناء هذا المجمع الصناعي في أعالي عين دارة، وهي المنطقة التي عانت من التعديات البيئية التي حاولنا محاربتها عبر جمعيتنا خلال ربع قرن، فهذا المعمل يشكل كارثة بيئية من نواح عدة، فإجمالي إنتاج هذا المعمل ثلاثة ملايين طن، وتقدر بـ 60 بالمئة من الإنتاج اللبناني، ويقع فوق أكبر خزان مائي في المنطقة على ارتفاع 1500م، يرفد المنطقة والمناطق المحيطة بالمياه، وقد لوثت الكسارات الينابيع والمياه الجوفية إلا أنها نقطة في بحر هذا المشروع، فهذا المعمل تشتمل أعماله عدة خطوات ملوّثة منها: التفجير، النقل، التكسير، الطحن، الحرق، التبريد، التكييس، نقل الإسمنت التجاري عبر 500 شاحنة ضخمة يوميا، فعدا عن الوقود الملوّث الذي ستستعمله، فكيف سيكون الحال مع طرقاتنا؟ وكيف ستتحمل عدد هذه الشاحنات واكتظاظ الطرقات والاختناقات المرورية؟ عدا عن الغازات السامة التي ستنشأ من هذا المشروع”.
وأضاف: “أما عن قول السيد فتوش بالتزامه الفلترة وأنه مشروع بيئي سيحول المنطقة إلى حدائق غناء، فقد شاهدنا ما فعلنه الكسارات والمقالع جميعها في المنطقة، كما أننا نعلم أن معظم البلدان المتقدمة قد نقلت هذه المنشآت خارج نطاقها للتخلص من تلوثها، فكيف بمساحة لبنان الصغيرة”، وشكك الأحمدية في “قدرة مؤسسات الدولة الرقابية على هذا المصنع مع فشلها أمام أزمات كالنفايات والتلوث البيئي وغيره”.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن أهالي عين دارة، لا يريدون إعادة سيناريو ما حدث وبحدث بلدتي سبلين وشكا، خصوصا أن نطاق التلوث سيطاول منطقة أكبر، كون المعمل سيقام في أعالي هذه البلدة”.