“التراكم الكمي يؤدي إلى تغير نوعي”، مقولة أساسية من مقولات علم الديالكتيك أو الجدلية، ونراها اليوم ظاهرة بجلاء فيما وصل إليه تراكم الملوثات البلاستيكية في البيئة، وخصوصا في البحار والمحيطات، حيث أصبح واحدا من أكبر تهديدات الحياة فيها. أكثر من 13 مليون طن من البلاستيك ترمى في البحار والمحيطات كل عام.
صناعة البلاستيك عبر العالم تشهد نموا عالي الوتيرة، حتى بلغ إنتاج البلاستيك عالميا في العام 2015 حوالي 322 مليون طن، وهو في تزايد مستمر. وبلغت مداخيل هذه الصناعة حوالي 750 بليون دولار سنويا. ينمو هذا القطاع باضطراد، وتزداد كميات النفايات البلاستيكية المرمية في الطبيعة وفي البحار والمحيطات بوتيرة مضطردة أيضا. وتقوم البحار والمحيطات بتوزيع الملوثات البلاستيكية إلى كل مناطق وسواحل العالم. أخذ موضوع التلوث بالبلاستيك إهتماما كبيرا في العالم خلال السنوات الأخيرة، وحظي بتغطية إعلامية واسعة عبر العالم.
تظهر كل الجهود المبذولة حتى الآن على مستوى بعض البلدان، غير فعالة بما يكفي لاحتواء مشكلة التلوث المتزايد بالبلاستيك، والذي أصبح يشكل خطرا حقيقيا على الحياة البحرية وعلى سلامة البيئة والصحة العامة بشكل عام. ويلاحظ تركيز إستثنائي على تلوث المحيطات في حين أن ملوثات البلاستيك موجودة في كل مكان.
محاولات عدة في كثير من البلدان لوضع نظام جمع منفصل لمخلفات البلاستيك، وإجراءات الحد من استخدام بعض المنتجات البلاستيكية، مثل أكياس البلاستيك على سبيل المثال، اتخذت في العديد من البلدان، بما فيها بلدان نامية، مثل رواندا وشاطيء العاج والمغرب والأردن وأخيرا الهند، إضافة للعديد من البلدان المتقدمة، تبدو غير كافية، ويتطلب إحتواء مسألة التلوث بالبلاستيك إجراءات أكثر فعالية، وتنسيقا واسعا على المستوى العالمي مما يطرح بجدية عالية الحاجة الموضوعية للبدء بمفاوضات حكومية لوضع اتفاقية دولية ملزمة قانونا بشأن البلاستيك.
ورغم كل تلك الإجراءات، لا تزال تجد مخلفات البلاستيك طريقها إلى كل عناصر البيئة، مسببة مشاكل صحية، وتهديدا كبيرا للأمان البيئي والصحي على السواء.
من المعروف أن إتفاقية “بازل” بشأن حركة النفايات الخطرة وغيرها من النفايات عبر الحدود، تغطي موضوع استيراد وتصدير النفايات البلاستيكية، ولكن كل تلك الجهود للحد من انتشار النفايات البلاستيكية تظهر بفعالية غير كافية للحد من التلوث بالبلاستيك عبر العالم.
يبدو أن مسألة التلوث بالبلاستيك لا يمكن معالجتها والتحكم بها عن طريق إجراءات تؤخذ معزولة على مستوى هذا البلد أو ذاك، أو على مستوى هذه المدينة أو تلك، أو على مستوى مبادرات فردية محدودة الفعالية. وتظهر يوما بعد يوم ضرورة البحث في وضع اتفاقية دولية ملزمة قانونا بشأن التحكم بالتلوث بالبلاستيك، والحد من استعمالاته في مختلف مجالات الحياة. سوف تقوم هذه الإتفاقية بوضع حد للمخاطر الناجمة عن التلوث بالبلاستيك، وتخفيف الخسائر المترتبة عن ذلك، وتتيح الفرصة لنمو نماذج جديدة من الإقتصادات، ونماذج جديدة من أنشطة الأعمال في مجالات بديلة عن البلاستيك، الذي غزا حياتنا ويكاد يطيح بأماننا البيئي والصحي معا.