تراجع مجلس شورى الدولة، أمس، عن قراراته المتعلقة بوقف تنفيذ رخصة بناء مشروع «الايدن باي» على شاطئ الرملة البيضاء. بحسب الجهة المدعية، لم يُعلل المجلس أسباب تراجعه، على عكس ما قام به سابقاً عندما أوقف تنفيذ الرخصة، فيما يقول رئيس الغرفة القاضي نزار الأمين إن القضاء لا يستطيع أن يقوم بدور الحكومة أو مجلس النواب وإن صلاحياته في الملف محدودة جداً. يرى المعترضون على القرار الجديد «أن تراجع المجلس عن قراره هو بمثابة مكافأة غير مستحقة لشركة احتقرت القضاء»
أصدر مجلس شورى الدولة، برئاسة القاضي نزار الأمين، أمس، قراراً تراجع فيه عن القرارين الإعداديين الصادرين عنه والمتعلّقين بوقف تنفيذ رخصة بناء مشروع “الايدن باي ريزورت” على شاطئ الرملة البيضاء، والتي منحها محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب بتاريخ 6/9/2016، لـ”الشركة العقارية والسياحية ايدن روك”.
وبذلك يكون المجلس قد أجاز للشركة استئناف أعمالها في المشروع. وللتذكير، فإنّ الشركة لم تلتزم بالقرارين الإعداديين المتراجع عنهما، فهي استكملت أعمالها حتى تمكّنت من تشييد ست طبقات بفترة “قياسية”، مُستمدة الدعم من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ومن المحافظ شبيب. هذا الأمر دفع جمعية “الخط الأخضر” الى اللجوء الى قاضي الأمور المُستعجلة في بيروت، القاضي جاد معلوف، الذي أصدر بدوره قراراً في أواخر آذار الماضي يقضي بوقف الأعمال في الورشة “تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها 150 مليون ليرة لبنانية عن كل يوم مخالفة (…) لحين إعادة العمل بالرخصة التي تُجيز هذه الأعمال أو إلى حين استصدار رخصة جديدة”.
بمعنى آخر، لم تتوقف الأعمال في الورشة إلا بعد صدور قرار قضائي ثالث. ومع تراجع المجلس عن قراريه، يسقط حُكماً قرار قضاء العجلة بسبب إعادة العمل بالرخصة التي تُجيز أعمال البناء.
أثار تراجع المجلس عن قراريه استغراب جمعية “الخط الأخضر”، الجهة المُدعية، وخصوصاً أن القرار “لم يُرفق بالتعليل الواضح حيال دوافع التراجع عن قرار وقف التنفيذ، علماً بأن المجلس نفسه استفاض بالتعليل والموجبات التي دفعته نحو توقيف تنفيذ الرخصة”، وفق ما يقول رئيس الجمعية علي درويش لـ”الأخبار”.
تقول خلاصة الحكم إن المجلس استند الى حقه بأن يُعيد النظر في قراراته الإعدادية في أي وقت، “عندما يتبين من الملف وجود معطيات قانونية أو واقعية من شأنها أن تستوجب إعادة النظر والعدول بالتالي عن هذه القرارات”. الجدير بالإشارة أن المجلس عندما أصدر قراره الإعدادي الأول بتاريخ 8/2/2017 المتعلق بوقف تنفيذ الرخصة استند (أيضاً) الى أسباب “جدية” و”مهمة” تستدعي وقف تنفيذ الرخصة، فهل انتفت هذه الأسباب؟
في اتصال مع “الأخبار”، يقول القاضي الأمين إن الضرر بالطبع لا يزال موجوداً. لماذا تراجعتم إذاً؟ يُجيب القاضي الأمين بـ”أن الشق المتعلّق بنظام البناء وبملكية العقارات لم يكن واضحاً في السابق وقد جرى استيضاحه، وعلى ضوء هذه الإيضاحات لم تعد الأسباب جدّية كفاية”. هناك من أثار منذ فترة شُبهة تعرّضكم لضغوط من أجل التراجع، هل تراجعكم عن القرار سببه هذه الضغوط؟ ينفي القاضي الأمين أن تكون قد مورست عليه أي ضغوط، لافتاً الى أن الغرفة الناظرة في القضية “تابعت الملف بكل جهد وجدية”. يُركّز القاضي الأمين على أن تراجعه عن القرارين لا يعني بتّ دعوى إبطال الرخصة نهائياً، لافتاً الى أن قراره الصادر، أمس، يعني “استكمال الأعمال فقط”.
أما تبريره لاتخاذه القرار، فكان الآتي: “بعد التدقيق بالملف، تبيّن أن الكثير من المخالفات التي بدت لنا ظاهرة لم تكن بالحجم الذي كنا نظنه من الناحية القانونية البحتة، وليس من ناحية حماية الشاطئ البحري”. ويُضيف: “المُشكلة تكمن في كيفية التحرّك. مثلاً المنطقة التي يجري البناء عليها كان يلحظها المخطط التوجيهي للكورنيش البحري عام 1966. الحراك يبدأ بإعادة المطالبة بالعمل بمخطط الكورنيش. لكن الآن ومع إلغاء الكورنيش، تكون هذه العقارات قد تحررت. السؤال هنا إذاً لماذا أُلغي المخطط؟ والطرح هنا ليس قضائياً”. لمن نلجأ إذاً من أجل حماية المُلك العام البحري؟ يقول القاضي الأمين في هذا الصدد إن صلاحيات القضاء محدودة وهي تنظر في مخالفات محددة. ويُضيف: “صحيح أن المشروع قريب جداً من البحر، لكن هذه ليست مشكلة الشركة صاحبة العقار، فعلى وزارة الأشغال أن تُحدّد الأملاك العامة البحرية وأن تعطي تعويضات لأصحاب العقارات. حالياً، قانون البناء يسمح لهؤلاء بالبناء، وهنا تنتهي صلاحياتنا، لا نستطيع أن نقوم بدور الحكومة أو بدور مجلس النواب. لنا دور محدد وملف دعوى محدود”. يختم القاضي الأمين بالقول: “المشكلة لا تكمن في العقار الذي يجري البناء عليه فقط. المُشكلة هي مُشكلة جميع العقارات الممتدة على الشاطئ البحري. هذه المشاكل لا يجري حلها قضائياً عبر حالات خاصة نُحمّلها للقضاء”، لافتاً الى أنه “متعاطف شخصياً مع الملك العام البحري وأنا ضدّ البناء”، لكنه لا يستطيع أن يُشغل عواطفه “كي لا يظلم الطرف الآخر”.
من جهته، يقول وكيل جمعية “الخط الأخضر”، والمدير التنفيذي لجمعية “المفكرة القانونية”، المحامي نزار صاغية، إن الجمعية قدّمت أكثر من دفوع مُسندة وقوية تتعلّق بالأثر البيئي والشاطئ والملك العام، “وجميع هذه الدفوع تطرح مشاكل ودوافع جدّية”. يرى صاغية أن تراجع المجلس عن قراره يُثبت أن خلفية القضاء تجاه قضايا البيئة لا تزال محدودة جدّاً، “الأمر الذي يدفعنا نحو المزيد من العمل للتحذير من خطورة هذه القضايا”، لافتاً الى أن الدعوى مُستمرّة و”نحن مستمرون في المطالبة بإيقاف تنفيذ الرخصة وسنقوم بالإجراءات القانونية المناسبة التي سنعلن عنها في ما بعد”.
يلفت صاغية في حديثه إلى “الأخبار”، الى أن “اللبنانيين شهدوا كيف كانت الشركة تنتهك قرارات القضاء، وكنا نحن من نخوض عن القضاء معركة استقلاليته، وكان الأمل من هذه المعركة دعم القضاء من أجل أن يقوم بدوره في خدمة المجتمع”. ويُضيف صاغية: “التراجع عن قرارات وقف التنفيذ يُظهر للرأي العام أن القضاء ذهب بالاتجاه نفسه الذي كانت تشد إليه القوى النافذة التي سمحت للشركة باستكمال أعمالها وبتجاهل القرارات القضائية”، لافتاً الى أن هذا القرار”هو بمثابة مكافأة غير مُستحقة لشركة احتقرت القضاء”.
يُذكر في هذا الصدد، تصريح محامي الشركة بهيج أبو مجاهد في آذار الماضي، الذي وصف فيه قرار المجلس بالقرار “الأرعن”، لافتاً الى أنه ستتخذ إجراءات قانونية بحق كل من تسوّل له نفسه التعدي وإلحاق الأذى بالمشروع.
في اتصال مع “الأخبار”، يقول أبو مجاهد إن الشركة “قالت من أول يوم إنها ستنفذ المشروع بقوة القانون”، لافتاً الى أن أي اعتراض على هذا المشروع يبتّه القضاء “ولا يكون بالمعارك الوهمية والاعتراضات في الشارع”. ويُشير أبو مجاهد الى أن الجهة المدعية لم تُلحق الترخيص باعتراضها لدى شورى الدولة. وبعد إصدار المجلس للقرار، تقدمنا له بالترخيص واطلع عليه، وبناءً عليه أصدر قراره بالتراجع عن وقف تنفيذ الرخصة”. ماذا لو بتّ المجلس الدعوى وأبطل الرخصة في ما بعد؟ يُجيب أبو مجاهد: “إن المبنى أُنشى بموجب ترخيص قانوني، ما يعني أن المبنى يبقى قانونياً”.