عندما اكتشف رئيس المستشفى الاميركي في دير الزور الدكتور Hudson عام 1924 مرضاً ولم يعرف حينها اسمه العلمي، اضطر أن يطلق عليه الاسم الشعبي المتعارف بين أهالي المنطقة الشمالية الشرقية، ألا وهو البَجل Bejel، ويحتل هذا المرض مكانة هامةً بين الامراض السارية التي شكلت تركة ثقيلة جداً على أمم الارض بأسرها، بعد الحرب العالمية الثانية، والتي حصدت حينها ارواح آلاف البشر فمن السل والملاريا، الى الحمى التفية والمالطية مروراً بالبلهارسيا، التراخوما والتهاب الكبد الفيروسي، وصولاً الى الحصبة، الخناق، السعال الديكي وشلل الأطفال. كيف عادت معظم تلك الامراض الى سوريا بعد أن سجلت تقارير “منظمة الصحة العالمية” WHO انقراضها؟
بقي الوضع الصحي في سوريا حتى فترة ما قبل الحرب الدائرة اليوم في مختلف مناطق البلاد يحقق نجاحاً تلو الآخر، بمساعدة منظمة الصحة العالمية WHO، فقد تم استئصال الملاريا من جذورها وبشكل كامل، كذلك البلهارسيا، الحصبة والسل ولم يبقَ سوى حالات قليلة من التراخوما والتهابات الكبد الفيروسية وبعض حالات الحمى.
الا ان فقدان الماء النظيف والغذاء الصحي وشح الدواء وانهيار شبكات الصرف الصحي وتلوث مياه الشرب، وتراكم القمامة الذي يصحبه انتشار القوارض والحشرات، وغياب اللقاحات الدورية، بالإضافة إلى الأحوال الجوية الغريبة والشاذة (درجات حرارة عالية جداً صيفاً ومنخفضة جداً شتاءً) دون وجود مأوى، أضف الى ذلك انهيار المؤسسات الصحية التابعة للدولة، وسرقة المشافي وإحراقها من قبل المجموعات الارهابية، وبالتالي انعدام الرعاية الصحية كلياً، كل ذلك أدى الى عودة اشكال من الامراض السارية كان من المفترض أنها انقرضت منذ سنوات (بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية), وسط صعوبات شديدة في وصول المساعدات الانسانية الى معظم مناطق البلاد.

أمراض كانت منقرضة

كل الأوبئة المرتبطة بطبيعة الغذاء والنظافة العامة، واختفاء حملات التلقيح، عادت للظهور وبأرقام لا يستهان بها في سوريا، حيث عادت الكوليرا (آخر حالة مسجلة كانت عام 1995) والتيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي، وهي أمراض سهلة الانتشار وبسرعة، كذلك سجلت السنة الماضية 470 إصابة بالسل, وحوالي 300 اصابة باللاشمانيا و400 حالة شلل اطفال، فيما أشارت تقارير منظمة أطباء بلا حدود MSF العاملة في المناطق الشمالية والشرقية من سوريا أنه ظهرت في عام 2014 حوالي سبعة آلاف حالة اصابة بالحصبة، وهو مرض معدٍ، في حين لوحظ عودة معظم الأمراض التنفسية للظهور.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد عبرت مرات عديدة عن بالغ قلقها إزاء تزايد حالات الأمراض السارية داخل سوريا، مؤكدة أن صعوبة وصول الامدادات والمساعدات الانسانية والطبية الى تلك المناطق يزيد الامر سوءاً.
عن هذه العودة يقول الدكتور نائل خضور المتخصص بطب الاسرة لـ greenarea.info: “إن معظم الامراض السارية تتعلق بالنظافة الشخصية, نظافة الغذاء والماء، كذلك تلعب دوراً مهماً عملية تهوئة المنازل وتعريضها للشمس، والاستحمام وعدم استخدام ادوات الغير، والابتعاد عن الازدحام، إضافة الى أخذ اللقاحات المطلوبة في مواعيدها، وطبعاً هذا شبه مستحيل في مناطق تحترق في أتون الحرب”.‏
ويضيف خضور: “لوحظ انتقال بعض الامراض من مناطقها الأم الى مناطق لم يكن لها أي وجود في السنوات الماضية، (اللشتمانيا مثالاً)، كما انتشر مؤخراً وبنسب عالية مرض التهاب الكبد الفيروسي، والحصبة، وحالات كثيرة من الحمى المالطية وحمى التيفوئيد ظهرت لدى مواطنين قادمين من مناطق الحرب، إضافة الى الكثير من الامراض التنفسية”.
تحصد الامراض السارية سنوياً ارواحآالاف الناس في سوريا، ذلك بعد ان كانت نسبها شبه معدومة، وتعمل كوادر طبية تابعة لوزارة الصحة ومنظمات انسانية اخرى للحد من نتائج الحرب الفظيعة التي تضرب سوريا من كل مناحي الحياة واهمها واخطرها الناحية الصحية، فهل ستقدر هذه القوى الانسانية على كبح جنون عودة الامراض السارية التي حذر من خطورتها ابقراط ومن بعده ابن سينا؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This