تدل معظم النقوش الموجودة على جدران المعابد الاثرية في سوريا واليونان، والتي يعود تاريخها الى عام 2500 ق.م، على أن شعوب المنطقة كانوا يزرعون العنب، ويشربون عصيره كدواء، قبل أن ينتجوا منه الخمور، وقبل أن يصنعوا منه الدبس، العصير الطازج، المربى، الملبن، الخل والزبيب، وتحتل سوريا المرتبة التاسعة عالمياً بإنتاجه.
قدرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) FAO في بياناتها المساحات المزروعة بالعنب في العالم بحوالي 700 مليون هكتار، فيما تصل كمية الإنتاج العالمي الى 65 مليون طن. يذهب 80 بالمئة منها لصناعة النبيذ، وتشير بعض الاحصاءات أن الصين تحتل المرتبة الاولى تليها الولايات المتحدة الاميركية ومن ثم ايطاليا، اسبانيا واليونان، فيما تحتل سوريا المركز الثاني عربياً بعد مصر والمركز 28 على مستوى العالم، حيث يبلغ عدد الأشجار 656,4 ملايين دالية، وقد بلغ إنتاج سوريا من العنب لعام 2010 حوالي 420 ألف طن.
وهناك مئة صنف من الأعناب في سوريا، 30 بالمئة منها حلواني، يليه الزيني بــ15 بالمئة، فالبلدي 20 بالمئة ومثله السلطي، تمثل هذه الأصناف الاربعة 85 بالمئة من إجمالي إنتاج العنب.
تنمو كروم العنب في مختلف أنواع التربة (طينية – رملية – كلسية). ويتحمل ملوحة التربة، إلا أنه رغم ذلك يحتاج للري من اجل نوعية أفضل وانتاجية اكثر، وفي حال عدم توفر الري تحتاج دالية العنب إلى حوالي 600 ميلليمتر من الأمطار في سنوياً. ولكن في ظل التغيرات المناخية المتوقعة، سيرتفع الرقم الى ما يقارب الـــ900 ميلليمتر، فيما سينخفض الانتاج بمعدل 5 بالمئة.
حول هذه القضية قالت المهندسة نيروز حسن من وزارة البيئة السورية لـــ greenarea.info أن “الدراسات التي أجريت لتقييم آثار التغير المناخي على الزراعة في سوريا رأت الى أنه في حال ارتفع المعدل السنوي لدرجات الحرارة أكثر من ثلاثة درجات، وانخفض الهطول المطري عن معدله السنوي، سيساهم ذلك في زيادة الاستهلاك المائي للنباتات، وبالتالي ستنخفض فترة نمو المحاصيل، وهذا أيضاً ينطبق على كروم العنب”.
تؤثر الحرارة العالية على دور السكون الطبيعي للعنب، فيما تسبب الرطوبة الزائدة 80 بالمئة ودرجات الحرارة العالية (أعلى من 25 درجة) الناتجة عن التغير المناخي، مرض البياض الدقيقي Powedery Mildew، وهو مرض فطري، يؤدي الى جفاف الأوراق والعناقيد ومن ثم تساقطها. أما هطول الأمطار في غير موسمها، وهو ايضاً أحد نتائج التغيير المناخي، فيؤدي الى تعفن محصول العنب.
وتكمن أحد أخطر نتائج الإحتباس الحراري، في توافر الظروف الإيكولوجية الملائمة لنمو وتكاثر الحشرات، وازدياد أعدادها وأجيالها، إلى درجة تكيفت فيها دودة ثمار العنب Lobessia botrana مع ظروف الإحتباس الحراري، فيما نشطت حشرة الفيلوكسرا Phylloxera، التي تهاجم الثمار مكونة عليها تقعرات فاتحة اللون، تتحول خلال أيام إلى اللون البني.
ترك التغيير المناخي خلال العقود الاخيرة آثاره الواضحة في كروم العنب، وهذا مؤشر خطير، وجرس إنذار ينذر باختفاء بعض الأنواع التقليدية من الأعناب المنتشرة في منطقة البحر المتوسط.
بينما تعاني دوالي العنب من آثار التغير المناخي التي تضرب كوكبنا، ينتظر الكرّامون، من بوردو الى السويداء وحمص، أن تتوقف درجات حرارة الأرض عن الارتفاع وتعود الرطوبة الى معدلاتها الحقيقة التي تميز حوض البحر المتوسط عن غيره، ليعودوا الى كرومهم يزرعون، يقلمون ويقطفون أجود الأعناب، فإلى متى سينتظرون؟