تشهد مدينة جنيف السويسرية الأسبوع القادم انعقاد مؤتمرات الإتفاقيات الكيميائية الدولية، إتفاقية “ستوكهولم” بشأن الملوثات العضوية الثابتة، واتفاقية “بازل” بشأن النفايات الخطرة وغيرها من النفايات، واتفاقية “روتردام” بشأن الموافقة المسبقة عن علم في التجارة الدولية بالكيماويات. تشكل هذه الإتفاقيات الثلاثة أدوات قانونية فعالة لإدارة المواد الكيماوية والنفايات الخطرة، بهدف حماية البيئة والصحة البشرية من مخاطرها، باعتبارها ملوثات كونية عالية الخطورة.

سوف تناقش هذه المؤتمرات، في أقسامها المشتركة، نظرا لما بين هذه الاتفاقيات من مساحات مشتركة وتآزر وتكامل كبيرين، مسائل على درجة عالية من الأهمية، تتعلق بإدارة الكيماويات والملوثات والنفايات، وكذلك بآليات تطبيق الإتفاقيات والإمتثال لإلتزاماتها، وتطوير لوائحها لتضم موادا جديدة، تقترحها المجموعات العلمية المتخصصة التابعة لها.

لبنان، وهو طرف فاعل في الإتفاقيات الثلاث، سيكون حاضرا بوفد رسمي يمثل وزارة البيئة، وهي السلطة المختصة وجهة الإتصال الوطني لاتفاقيتي “ستوكهولم” و”بازل”، وكذلك وزارة الزراعة، وهي معنية بالتجارة الدولية بالكيماويات وبإدارة المواد الكيميائية ونفاياتها، وخصوصا فيما يتعلق بالمبيدات والمستحضرات الزراعية، وهي كلها مواد كيميائية سامة وعالية الأهمية البيئية والصحية. وكذلك بممثل عن المنظمات غير الحكومية العاملة على إدارة الكيماويات والنفايات الخطرة والمتابعة للإتفاقيات الثلاث على مدى عقود متتالية، وتعمل من ضمن فريق تحالفات غير حكومية عالمية من المجتمع المدني العالمي، مثل منظمة أيبن IPEN النشيطة، خصوصا في مجال الإدارة السليمة بيئيا وصحيا للمواد الكيميائية والنفايات، والتي تعمل تحت شعار “من أجل مستقبل خالٍ من السموم”.

سوف تناقش المؤتمرات مسألة النفايات البحرية البلاستيكية والميكروبلاستيكية، التي يتزايد الإهتمام الدولي بها يوما بعد يوم. وكذلك متابعة تنفيذ الجهود الدولية للتخلص من مركبات ثنائي الفنيل متعدد الكلور PCBs، ونقل تكنولوجيا أساليب تدميرها بطرق غير مرتبطة بالحرق، والتي تحقق متطلبات إتفاقية “ستوكهولم”، وتشجيع التعاون الإقليمي في هذا المجال. هذه المسألة تشكل اهتماما خاصا لبلدنا باعتباره في المراحل الأخيرة من تنفيذ مشروع التخلص من هذه المركبات في لبنان.

ومن المسائل الهامة التي سيتم بحثها تنشيط وتفعيل عمل المراكز الإقليمية، وإشراك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال إدارة الكيماويات والنفايات الخطرة في عمل المراكز الإقليمية وتصميم المشاريع وتطبيقها. مركزان إقليميان يعملان في منطقتنا العربية، واحد لاتفاقية “ستوكهولم” بشأن الملوثات العضوية الثابتة في الكويت، وواحد لاتفاقية “بازل” بشأن النفايات الخطرة في القاهرة. وهناك أيضا مركز إقليمي في إيران لمنطقة وسط آسيا.

تحتل المسألة المالية حيزا كبيرا من الإهتمام كما في كل مؤتمر لهذه الاتفاقيات، باعتبار أن هناك تزايدا في الحاجة للموارد المالية الكافية لتلبية حاجات البلدان النامية للإيفاء بإلتزاماتها تجاه الاتفاقية، وخصوصا فيما يتعلق بالملوثات العضوية الثابتة، التي أضيفت لاحقا إلى اللائحة الأساسية لاتفاقية “ستوكهولم” وعددها 14 مادة جديدة. وكذلك لتوفير الأموال اللازمة لتدمير كامل كميات مركبات ثنائي الفنيل متعدد الكلور PCBs في البلدان النامية، وبينها لبنان، حيث تبرز الحاجة لإشراك المنظمات غير الحكومية في تنفيذ هذه المشاريع بما يتماشى مع أهداف الإتفاقية.

أما فيما يتعلق بمسألة تحديد وتصنيف نفايات الملوثات العضوية الثابتة POPs، فهناك ضرورة أن يتبنى المؤتمر مستويات المحتوى المنخفض من الملوثات العضوية الثابتة، مثلا اعتماد حد 10 ملغ/كلغ، أي 10 أجزاء من مليون، بالنسبة لمركبات PCBs، أي اعتبار أي زيوت تحتوي على 10 أجزاء من مليون من PCBs أو أكثر ملوثة وتحتاج إلى إدارة على اعتبارها نفايات ملوثات عضوية ثابتة.

من الضروري اتخاذ قرار يفرض وضع لصاقة تعريفية على المنتجات تشير إلى وجود الملوثات العضوية الثابتة، وذلك من أجل إدارتها بشكل فعال في خطوط النفايات والمخزونات، والتنبه لدى التوجه لإعادة تدويرها.

تتزايد الحاجة إلى توسيع تطبيق إرشادات أفضل التقنيات المتاحة/أفضل الممارسات البيئية، وخصوصا تلك المدرجة ضمن تكنولوجيا الإدارة السليمة بيئيا في الإرشادات التقنية لاتفاقية “بازل”.

وهناك مسألة غاية في الأهمية تتعلق بألَّا تقتصر خيارات تدمير النفايات الملوثة بالملوثات العضوية الثابتة على تكنولوجيا الحرق، وهذه التكنولوجيا لم تعد تتمتع بأية أفضليات، مقابل التقنيات غير المرتبطة بالحرق، مثل الإختزال الكيميائي في الحالة الغازية Gas-phase Chemical reduction GPCR، وكذلك تقنيات نزع الكلور (الهالوجين) التحفيزي، باستعمال النحاس كمحفز نشيط وفعال، أو باعتماد الوسط القلوي للتفكيك التحفيزي للملوثات العضوية الثابتةDecomposition BCD Base Catalytic. يجب إعطاء الأفضلية لهذه التقنيات غير المرتبطة بالحرق من أجل تجنب تقويض أهداف الاتفاقية من خلال الترويج لتكنولوجيات الحرق، المؤدية إلى تولد نفايات ملوثة بالملوثات العضوية الثابتة غير المقصودة، مثل الديوكسينات والفورانات Dioxins & Furans.

هذه المؤتمرات مطالبة أن تسهل إدراج المواد الجديدة التي اختارتها اللجنة العلمية في لائحة الملوثات العضوية الثابتة لاتفاقية “ستوكهولم”، ولا سيما مثبِّطات اللَّهب البرومية الأكثر سمية واستقرارا والأكثر انتشارا في البيئة العالمية.

هذه الملوثات البرومية ذات سمية عالية، وتؤدي إلى أضرار محتملة على النمو، وتتمتع بسمية عصبية وتخريب لوظائف الأجهزة التناسلية والإنجابية، وكذلك تأثيرات مخلة بالهرمونات وعمل جهاز الغدد الصماء. توجد ملوثات مثبِّطات اللَّهب البرومية في النفايات الكهربائية والإلكترونية، التي تغزو البلدان النامية تحت تسميات وأهداف متعددة، للتصليح أو إعادة الإستعمال أو الإسترداد والتدوير.

نتوقع من المؤتمرات أن تعمل على تطوير خطة المراقبة العالمية لتفعيل نشاطها، وخصوصا فيما يتعلق بأفريقيا وآسيا ودول أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية والكاريبي والقطب الشمالي والقطب الجنوبي.

نطالب بالتعجيل بالتخلص السليم بيئيا وصحيا، باعتماد أفضلية طرق التفكيك والتدمير الكيميائي على التقنيات التقليدية القديمة المرتكزة على الحرق، من مخزونات مركبات ثنائي الفنيل متعدد الكلور PCBs، وحظر بيعها وتوزيعها والقضاء عليها وفقا لمتطلبات اتفاقية “ستوكهولم”.

العمل أيضا على تطوير البرامج التنفيذية الوطنية ومساعدة الدول النامية، ومنها لبنان، على إنجازها وتحديثها، وخصوصا ما يتعلق بالمواد الـ 14، التي أضيفت في السنوات الأخيرة، منذ 2009 وحتى الآن، على لوائح الملوثات العضوية الثابتة.

وندعو بإلحاح إلى الإستفادة القصوى من تآزر الاتفاقيات الثلاث من أجل بذل أقصى الجهود لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمواد الكيميائية والنفايات الخطرة، بما في ذلك العمل على تصحيح الثغرات القانونية المتعلقة بمسألة الإصلاح وإعادة الإستخدام والإسترداد والتدوير، التي لا تزال بعض الأنظمة الإجرائية تعاني منها.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This