يواجه ساحل بلدة عدلون الجنوبية (قضاء صيدا) تخريباً لا يشي بأنه عبارة عن رصيف بحري للصيادين، ولم نسمع يوماً أن غيرة المسؤولين شملت من يواجهون البحر ويركبون أمواجه بحثا عن لقمة عيشٍ كريمة، وبدلا من أن تكون هذه الواجهة البحرية محمية طبيعية بعد أن ضاق الشاطىء اللبناني لصالح مشاريع خاصة، تشكل امتدادا لمسلسل مصادرة الأملاك البحرية، نرى أن العمل مستمر لصالح مشروع مخالف لأدنى الشروط البيئية، وإن كان ثمة من يتحدث همساً عن إنشاء مرفأ غير منفصل عن مشاريع استخراج الغاز والنفط، بعناوين تؤكد الوقائع على الأرض عدم صحتها.

ومن ثم ما حاجة عدلون لمرفأ فيما عدد صياديها لا يستدعي بناء إنشاءات ضخمة؟ وما لزوم إنشاء “سنسولين” وتسعة أحواض؟ وهذا ما يؤكد أن هذا المشروع سيكون مدمرا لقطاع السياحة البحرية وللثروة السمكية، وللتنوع الإيكولوجي أبعد بكثير من حدود المشروع بعينه، الذي سيقضم مساحات شاسعة من الشاطىء والبحر.

ولسنا في هذا المجال بوارد الدخول في مخالفات فاضحة، تبدأ من السياسة ولا تنتهي بالقضاء، ذلك أن هناك ارتكابات لم يبت بها القضاء إلى الآن، فالمشروع انطلق بمرحلته الثانية دون إعلان مسبق عن التلزيم، وما يهمنا في هذا المجال، هو أن الأعمال القائمة حولت الشاطىء إلى منطقة موحلة، وغدا لون البحر بنياً داكناً من عدلون إلى مدينة صيدا، وتزامن ذلك مع جنوح باخرة في صيدا انغرزت في الرمول وجرفها الموج الى الشاطىء، وأيا كان المشروع وتصنيفه، فأضراره لن تقتصر على عدلون فحسب، وإنما ستطاول مساحات واسعة من الشاطىء، ما يهدد الصيادين برزقهم ويقضي على الثروة السمكية، ويفقد لبنان جزءاً آخر من شاطئه المفترض أن يكون محميا.

fadia

د. يونس: محمية طبيعية وثقافية

 

في هذا السياق، وفي مواكبة لما تعرض له الشاطىء، أكد رئيس جمعية “الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس لـ greenarea.info أن “ارتفاع البحر بحد ذاته يعد ظاهرة طبيعية، ولكن أعمال الردم التي تجري في الموقع منذ قرابة العام مع إدخال كميات تقدر بمئات الأطنان من مواد وعناصر من أتربة وحجارة وردم وخلاف ذلك غريبة عن المحيط البيئي للشاطئ، ما يلحق الضرر بالنظام الإيكولوجي وتوازنه، وبالتالي بتنوعه وبمصائد الأسماك”، وقال: “نحن لا نتحدث هنا عن كمية محددة من الردم أو عن موقع محدد، وإنما عن مساحة تتجاوز المئة وستين ألف متر مربع من الشاطئ والبحر، من خلال عملية ردم واسعة لبناء (سنسولين) وتسعة أحواض”.

وأضاف يونس: “من هنا كانت مطالبتنا قبل البدء بالمشروع، وكنا ولا زلنا نطالب بحماية بقية الشاطئ وإعلانه محمية طبيعية وثقافية، بضرورة إجراء مسح أثري لأهمية الموقع الثقافية والحضارية، والتزام أصول تقييم الأثر البيئي الملزم وفق قانون 444/ 2012 ومرسوم رقم 8633/2012 (أصول تقييم الأثر البيئي) والذي يحدد (إنشاء المطارات والمرافئ) و(إشغال الأملاك العمومية النهرية والبحرية) ضمن المشاريع التي تستوجب تقديم تقييم الأثر البيئي قبل البدء بالمشروع وتخضع لأصوله قبل وطيلة مراحل المشروع (المادة /444) حيث يطالب الجهات في القطاعين العام والخاص إجراء دراسات الفحص البيئي المبدئي أو تقييم الأثر البيئي للمشاريع التي قد تهدد البيئة، بسبب حجمها أو طبيعتها أو أثرها أو نشاطاتها”. وتابع يونس: “تراجع وزارة البيئة هذه الدراسات وتوافق عليها بعد التأكد من ملاءمتها لشروط سلامة البيئة وإستدامة الموارد الطبيعية، وهو ما تؤكد عليه مواد مرسوم 8733 كذلك، ومن بينها متابعة ومراقبة إجراءات العمل بما يضمن عدم إلحاق الضرر بالنظم البيئية أو يقطع الطريق عن الناس إلى مساحة عامة”.

وبحسب يونس “يقطع القانون بشكل صريح بطبيعة الإنشاء في مادته 22:

أ- تنفيذ أشغال بناء أو سواها من الإنشاءات.

ب- أية مداخلة في المحيط الطبيعي بما في ذلك تلك التي تتضمن أعمال استخراج أو إضافة الموارد الطبيعية.

د- أي تعديل، إضافة، توسيع، إعادة تأهيل أو إقفال للنشاطات، ثم في الباب الخامس من الفصل الثاني المتعلق بحماية الساحل والبيئة البحرية من التلوث في مادته “الثلاثون” يرد “مع مراعاة أحكام المعاهدات الدولية والإقليمية التي انضم إليها لبنان، يمنع منعاً باتاً كل تصريف أو غمر أو حرق في المياه الإقليمية اللبنانية لكل مادة من شأنها بصورة مباشرة أوغيرمباشرة، أن:

أ-تمس بصحة الإنسان وبالموارد الطبيعية البحرية.

ب-تؤذي الأنشطة والكائنات البحرية، بما فيها الملاحة وصيد الأسماك والنباتات والطحالب.

ج- تفسد نوعية المياه البحرية.

د – تقلص من القيمة الترفيهية ومن الإمكانيات السياحية للبحر وللشواطئ اللبنانية”.

fadia2

موقع حضاري إنساني

 

وأضاف يونس: “في الأصل، الحكومة اللبنانية معنية بحماية عدلون بغض النظر عن أي شيء آخر، لما تحويه من آثار تشكل جزءاً هاماً من إرث لبنان والمنطقة الثقافي والحضاري والطبيعي. وهو ما أوصى به تقرير مراقبة الموارد البيئية في لبنان Environnementa lRecoures Monitoring in Lebanon – ERML 2012، الصادر عن جامعة البلمند والذي يعد من أهم التقارير التي تناولت تقييم الشاطئ اللبناني بيئياً، والذي أدرج عدلون ضمن قائمة صغيرة من خمسة عشر موقعاً هاماً وحساساً صنفها ذات “أولوية قصوى” تستوجب الحماية على الساحل اللبناني، وأحد أربعة منها ذات أهمية مشتركة ثقافياً وبيئياً. وهي توصيات مرفوعة أمام الحكومة اللبنانية ووزارة البيئة منذ 2012. هذا فضلاً عن تقرير Marine Turtle Nesting Activity Assessment on The Lebanon Coast -2002 الذي أدرج شاطئ عدلون ضمن قائمة المواقع التي تشهد نشاطاً لتعشيش السلاحف البحرية في لبنان. علماً أن أعداداً من السلاحف لا زالت تتواجد في بحر عدلون، على الرغم من الإستخدام المفرط للديناميت خلافاً للقانون، في مؤشر على غناه، وهو ما يعرفه الأهالي جيداً ويحافظون عليها”، لافتاً إلى أن “عدد السلاحف النافقة التي وجدت على شاطئ عدلون خلال الأشهر القليلة الماضية بحسب ما وثق المرصد الأخضر التابع للجمعية بلغ أربعة سلاحف بحرية، وهو رقم قياسي يستوجب البحث ودراسة الأسباب لأهمية السلاحف ودورها على كامل النظام البيئي الشاطئي والبحري”.

وقال: “اليوم لا زالت الفرصة سانحة على الرغم من أن الضرر يتعاظم، من هنا هناك ضرورة للمسارعة في اتخاذ إجراءات حماية للموقع وعناصره البيئية والثقافية بالتزامن مع إتباع أصول تقييم الأثر البيئي في الأعمال المستمرة، على الرغم من تحفظنا على الطريقة التي جرت وتجري بها، والذي يستوجب رقابة وإشراف من قبل وزارة البيئة وأيضاً الثقافة على الأعمال الجارية لخصوصيات الشاطئ البيئية والثقافية على حد سواء، وإعلان المنطقة جنوبي المرفأ ولغاية خليج أبو الزيد محمية طبيعية وثقافية على ما قدمنا في إقتراحنا للوزارتين”.

وشدد على “ضرورة مسارعة وزارة الثقافة إلى تصنيف الشاطئ موقعاً أثرياً وإتخاذ إجراءات حماية للأثار المنتشرة عليه، علماً أن غنى وأهمية عدلون كموقع حضاري إنساني من البديهيات لدى العديد من علماء الآثار، ومن غير المقبول الإستمرار في إهمال هذا الموقع الفريد”، وختم يونس أن “الخضر سيواصلون السعي مع أهالي عدلون حتى حماية الشاطئ وتصنيفه”.

fadia3

البروفسور باريش: تلحق الضرر بكافة الأحياء البحرية

 

وبحسب خبير الاحياء البحرية في الجامعة الأميركية في بيروت البروفسور ميشال باريش، فإن “وصول هذه الاتربة الى البحر يؤثر بطريقة سلبية على الموائل البحرية، فهي تشكل فوقها طبقة عازلة حينما تغطيها، كما انها تلحق الضرر بكافة الأحياء البحرية، الحياة المجهرية، الطحالب، النباتات، اللافقاريات (الرخويات البحرية)، الاسماك الصغيرة، الزواحف والشعاب المرجانية، وقد تنفق اختناقا نتيجة هذه الاتربة اللافقاريات والرخويات التي تقوم بفلترة المياه، وأيضا تؤدي الى نفوق البيض، كذلك ان نفوق الطحالب التي تعتبر غذاء مهما للاسماك واليرقات وسيؤدي بالتالي فقدان الغذاء الى نفوق هذه الانواع”.

ورأى باريش أن “عامل تلون المياه يمنع وصول الضوء للعمق، مما يؤدي الى قتل النباتات والعوالق بسبب فقدان قدرتها على القيام بعملية التركيب الضوئي، علما أن هذه النباتات هي المسؤول الاول عن تثبيت الطاقة وانتاج الاوكسيجين في البيئة البحرية”.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This