عام اثنين وثمانين من القرن الماضي حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي وأدواتها العميلة العاصمة بيروت من مداخلها الثلاثة، وحاولت بالحديد والنار والموت والدمار ومن البحر والجو إخضاع مقاومتها وتدفيع أبنائها ثمن الصمود والتحدي، لكن المدينة انتصرت وأسّست مقاومتها الوطنية لزمن الهزائم التي توالت على القوات الصهيونية الغازية وعملائها، لكن الأعداء على ما يبدو، وبعد نحو خمسة وثلاثين عاماً ما زالوا يحاولون أخذ الثأر، وإن غيروا أسماءهم ووجوههم لكنهم لم يغيروا غاياتهم وأهدافهم الحاقدة على بيروت وأهلها.

عاد الحصار يهدّد مداخل العاصمة الثلاثة ويجبر أهلها الخارجين منها والداخلين إليها على عبور الحواجز القاتلة بالسموم والأمراض والروائح الكريهة، من دون أن ينفعهم التخفي خلف شبابيك سياراتهم المغلقة، فـ “الجنود” المدججون بالفيروسات والبكتيريا لا تردعهم السواتر والدفاعات، يدخلون في مسام الأرض لتلويث مياهها، ويمتزجون في خلايا الهواء لإفساده، فتنتج جراء ذلك أمراض فتاكة للبشر وباقي المخلوقات، وفي المقابل تدخل إلى حسابات الفاسدين المتسلطين المحتلين الجدد مئات ملايين الدولارات.

ما أشبه اليوم بالأمس… فمنطق السيطرة والإخضاع من أجل المصالح الأنانية الضيقة كثيراً ما يتكرر، على حساب الإنسان وكرامته وحريته، وإن بأزمنة متفاوتة وأدوات مختلفة، لكن الغريب هو في تراجع ردة الفعل على هذا الخطر السائد والمنتشر حالياً، ما يشير إلى أن الأعداء الجدد المحصّنين بنظام الطائفية والمذهبية أكفأ وأكثر خبثاً من أسيادهم الاوائل في تفعيل مكامن التشتيت والإضعاف للقوى الشعبية المتضررة، فعمدوا إلى تفعيل قوالبها المذهبية والطائفية البائدة وسجنها بها من جديد، وشحنها بالخوف الوهمي المفتعل لحرف مسار فعلها بما يتناسب مع إطالة زمن اغتصاب الإرادة والسلطة، وتدمير الوطن لتكبير رصيد الفاسدين وإفقار المعدمين.

وإمعاناً بهذه السياسة تعمد القوى المتسلطة إلى تجهيل الفاعل وقلب الحقائق وإخفائها، وتقديم نفسها على أنها منتجة للحلول الإبداعية، لأزمات ومشاكل تفتعلها وتجعلها مستعصية، وخير دليل على ذلك موضوع النفايات التي أغرقت المدينة ومناطق عديدة أخرى، ووضعت المواطنين أمام خيار الرضوخ للمطامر التي تحاصر مدينتهم كأهون الشرين، وبالمقابل أغفلت حيتان المال والسلطة وتجاوزت كل الحلول البيئية والصحية المناسبة والمستدامة التي طرحتها مجموعات واسعة من القوى السياسية المعارضة وجمعيات المجتمع المدني وخبراء البيئة، لا لشيء إلا لأنها تحرمهم من حصد الأموال الطائلة على حساب الوطن والمواطن، فكان مكب برج حمود ومطمر الناعمة في ساحل الشوف وسرار في عكار مروراً بالبقاعين الأوسط والشمالي وكفور في الجنوب وصولاً إلى “الكوستابرافا” في خلدة، والحبل على الجرار، لا سيما وأن النقاش حول المحطة الأخيرة ما زال مستمراً، والأسرار النووية الكامنة خلف جدرانه المرفوعة على طول الشارع المحاذي للمطمر كثيرة ومتعددة، لكنها لن تبقى كذلك. وإن منع موقع greenarea.info من دخول المكان وقيامه بواجبه المهني الإعلامي ومعاينة ما يحدث على الأرض، خير دليل على خطورة ما يرتكب من مخالفات وجرائم بحق البيئة والإنسان والمياه الجوفية وتلويث الشاطئ ومياهه بما يتناقض ومعاهدة برشلونة.

ونحن نعد قرائنا ومتابعينا أننا لن نخسر الحرب وإن خسرنا معركة في مسيرة كشفنا لجرائم حيتان المال والسلطة، لا سيما في مطمر الكوستابرافا، حيث لا تقف المخاطر عند الحدود البيئية فحسب، بل تتجاوزها لتطاول سلامة الطيران المدني والتزام لبنان بالاتفاقيات الدولية، مستشهدين بما كان قد حذر منه في لقاء صحافي المدير العام السابق للطيران المدني حمدي شوق من أن النفايات بجانب المطار ستشكل خطراً بالغاً على حركة الطيران محدداً ذلك بثلاث نقاط:

“أولاً: تكدّس النفايات ووصولها إلى مستويات أعلى من ارتفاع سطح المدرج.

ثانياً: النفايات من شأنها تغيير درجة الحرارة في محيط المطار والمدرج، والطائرات تتأثر مباشرة بطبيعة الهواء والحرارة، وأي انبعاثات من النفايات أكان جراء الحرق أو عوامل أخرى، سترفع من معدل الحرارة ويتأثر انسياب الهواء فوق جانحي الطائرة، خصوصاً في الوقت الأخطر الذي تكون فيه في مرحلة الإقلاع أو الهبوط حيث لا هامش للمناورة.

ثالثاً: ازدياد عدد الطيور فوق المطار ومحيطه، فإن النفايات من شأنها تعزيز وضع الطيور التي تعتبر أخطر الأزمات عالمياً، وعندما تكون الطائرة على ارتفاع منخفض، قد يدخل طير في المحرك ويعطله لثوانٍ فيما يبقى الثاني سليماً، ما قد يؤدي إلى التفاف الطائرة بشكل سريع، فيرتطم الجانح بالأرض، وعندها قد تشتعل الطائرة، وتقع الكارثة وهذا أمر حصل سابقاً”.

إن ملاحقتنا في موقع greenarea.info لمفاسد الطبقة المتسلطة سيتواصل، وكشف عوراتها واستخفافها بقضايا الوطن والمواطن الحيوية سيستمر وعلى الصعد كافة، ما يجعلنا نتقاطع مع مروحة واسعة من القوى الميدانية المعارضة والحريصة على المواجهة وتصويب الأمور، على أمل أن يكون هذا المسار تصاعدياً وصولاً إلى إقامة ما يشبه الأداة الوطنية الجامعة، التي حققت أول انتصار على عدونا الأول، مرتكب أول حصار.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This