“شاركت في الإعتصام ضد مطمر الكوستابرافا، ضد هذه الجريمة البيئية، لا أعد ذلك انجازا، بل واجبا فكريا سياسيا، لأن فضح السلطة الفاسدة جهرا، وعلى الملأ وفي الساحات العامة، خير أحيانا من التذمر والشكوى على حائط الفايس الصامت، الأبكم والأصم” .
بهذه العبارات تلخص الكاتبة والأستاذة الجامعية الدكتورة عايدة الجوهري مشاركتها في اعتصام الأمس، بالرغم من أن ثمة من حاول توظيف هذا التحرك في السياسة، ولا سيما الجهة التي كانت شريكة في قرار إنشاء المكب، وإذا بها اليوم تنفض يدها وتحاول أن تنأى بنفسها عن المشهد بعض أن أصبحت منطقتا الكوستابرافا ومحطة الغدير موبوءتين، وسط روائح تحاصر خلدة والشويفات والضاحية الجنوبية من بيروت، والروائح تقدم دليلا قاطعا على أن الطمر يشمل النفايات العضوية، دون مراعاة لعقود الطمر المفترض أن تشمل العوادم والنفايات المفروزة.
وذلك يقود إلى أن البحر يردم بالنفايات كسلة واحدة، مع الركام والصخور والأتربة، وهذا ما وثقه greenarea.info عندما أظهر صيادون في منطقة الأوزاعي شباكهم وقد امتلأت نفايات من كل صنفٍ ونوع، مع ما لهذا الأمر من تبعات خطيرة على الأحياء البحرية والثروة السمكية، فضلا عن تهديد مورد رزق الصيادين على امتداد الشاطى من الكوستابرافا وصولا إلى برج حمود، حيث الحال هناك ليس بأفضل، ومعاناة الصيادين ذاتها، ومشكلات المواطنين ذاتها أيضا وهم محاصرون بالروائح، دون أن ننسى أن ما هو قائم يلوث التربة والهواء والبحر ومصادر ينابيع المياه الجوفية.
بلدية مدينة الشويفات
وبدا لافتاً للانتباه خلال الأيام الماضية، موقف بلدية مدينة الشويفات، إذ رفعت كتاباً مفتوحاً إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تمّ فيه شرح بعض التفاصيل عن المدينة وطبيعتها، وعن الأضرار والسموم اللاحقة والتي ستلحق بها في حال عدم إقفال المكب العشوائي الذي تمّ استحداثه في منطقة الغدير – الكوستابرافا، وناشدته إيلاء هذا الأمر أولوية مطلقة، لما له من خطورة كبرى على صحّة أهالي المنطقة والجوار، فضلا عن رفع كتاب آخر لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ووزير البيئة طارق الخطيب، وأكدت البلدية أنّه وبعد مرور سنة على إنشاء “المطمر”، وحيث أننا لم نر أو نسمع لغاية اليوم نيّة أو إجراءات جدية من قبل المعنيين بإيجاد الحلول البديلة بحسب مقررات مجلس الوزراء، أصبحنا مضطرين لرفع الصوت عالياً، واللجوء إلى كافة الطرق والوسائل التي قد تؤدي إلى إقفال مكب الموت هذا، حفاظاً على صحّة أهلنا وكافة المواطنين القاطنين في نطاقنا البلدي والجوار.
يعتبر موقف البلدية مهماً، لكن يبقى سؤال: لماذا وافقت البلدية أساساً على إقامة المكب؟
لا يخفى على أحد أن البلدية تتبع فريقا سياسيا سهّل ووفّر الغطاء لتشريع الكوستابرافا، وموقف البلدية الأخير جاء بإيعاز منه، لأسباب عدة لن نسترسل فيها كي لا ندخل في تفاصيل السياسة وكيفية إبرام وتمرير الصفقات، وعلى أية قاعدة، لكن من المؤكد أن هذا الفريق ما عاد في مقدوره التغطية على ما يرتكب من مخالفات، ويسعى لتجيير جهود المجتمع الأهلي الرافض للمكب أساسا، خصوصا وأن المحامين الذين اتخذوا صفة الادعاء على المكب والمتعهد، حققوا خطوات مهمة عبر القضاء الذي من المتوقع أن تكون له الكلمة الفصل في هذا المجال.
لعل ما عبرت عنه الدكتورة الجوهري، يختزل واقعا مأزوما، بحيث بات التحرك واجبا فكريا سياسيا، ونضيف واجبا أخلاقيا أيضا.
وفي هذا السياق، أكد ناشطون من المجتمع الأهلي لـ greenarea.info أمس أن “الكوستابرافا بات قضية سياسية بالدرجة الأولى”، لافتين إلى أن “هذا الأمر يعني أن هناك التفافا على كل ما أنجزناه حتى الآن، إن على مستوى القضاء، وإن على مستوى المجتمع الأهلي الرافض لمكب (مطمر ناعمة) ناعمة جديد على مدخل العاصمة”.