حذر العلماء منذ فترة طويلة من الأضرار الكارثية نتيجة ذوبان الجليد على حيوانات اليابسة في القطب الشمالي، إلا أن دراسة حديثة أشارت إلى أن هذا الأمر قد يكون مفيدا لعدد كبير من الكائنات البحرية.
وقد أظهرت هذه الدراسة أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي، يؤدي إلى نشوء المزيد من البرك أو البحيرات ما يمكّن عددا متزايدا من الكائنات البحرية من التواجد فيها.
وأثارت النتائج دهشة الباحثين من “جامعة جنوب الدنمارك” University of Southern ، وأشاروا في الدراسة إلى أنه “في البرك المتكونة نتيجة ذوبان أجزاء من الجليد والثلوج في القطب الشمالي يمكن ملاحظة زيادة أعداد الكائنات البحرية، لا سيما مع زيادة معدلات الاحترار المناخي العالمية”.
وتبين الدراسة أن الأحواض الناتجة عن ذوبان الجليد ساهمت بوصول المزيد من الضوء والحرارة لقاع هذه المسطحات، وأن هذا الأمر كان له أثر بصورة مباشرة على الحياة البحرية في هذه المياه، ما ساعد على تطور عدد كبير من الطحالب Algae والبكتيريا Bacteria وقد وفرت بدورها طعاما للكائنات البحرية ما ساهم بتكاثرها.
المزيد من المواد الغذائية
وقالت مؤلفة البحث الرئيسية الدكتورة هايدي لويز سورنسن Heidi Louise “يمكن للبرك المذابة ان تشكل نظاما بيئيا خاصا بها”، وأضافت: “بعد ذوبان الجليد خلال فصل الصيف تنطلق الطحالب وغيرها من الكائنات الحية المتواجدة في البرك المذابة إلى مياه البحر، وتتغذى عليها الكائنات الحية على سطح هذه المسطحات المائية، بينما يغوص بعضها نحو الأسفل فيتغذى الكائنات التي تعيش في القاع عليها”.
وأشارت سورنسن إلى أنه “بالنظر إلى أن المساحات الأكبر من هذه البرك التي تتشكل في القطب الشمالي نتيجة ذوبان الثلوج يمكننا أن نتوقع تواجد المزيد من المواد الغذائية للكائنات الحية في مياه البحر القطبي”.
ويحتوي سطح المياه في القطب الشمالي على كائنات مثل الكريل Krill والـ “كوب بودا” Copepoda (وهي أنواع من القشريات)، تتغذى هذه على الطحالب الغنية بالمواد الغذائية وعلى البكتيريا من سطح هذه البرك، وتتغذى على هذه الكائنات أنواع مختلفة من الحيوانات من “مزدوجات الأرجل” amphipods وهي نوع من القشريات تشبه القريدس، الأسماك، الفقمة والحيتان، أما أنواع الكائنات البحرية التي تستفيد من الطحالب التي تسقط من السطح نحو قاع البحر فهي “خيار البحر” Sea Cucumber، ونوع من نجوم البحر brittle star.
الفوسفور والنيتروجين في البرك المذابة
وقد كشفت الدراسات السابقة أن الكائنات البيولوجية البسيطة يمكن أن تتطور في البرك المذابة، ولكن لم يمكن ثمة تفسير لسبب تواجد هذا العدد من أنواع الكائنات الحية فيها، بينما في أوقات أخرى لا تتواجد أي منها، ووفقا للباحثين، فإن سبب هذا الاختلاف يكمن في توافر المواد الغذائية مثل الفوسفور والنيتروجين في البرك المذابة، ما يساهم في نمو مجتمعات كاملة من الطحالب والكائنات الدقيقة، وتصل هذه المغذيات من اليابسة نحو البحر بواسطة الأمواج أو العواصف الرملية أو تذوب عند الشاطئ مع مياه الأمطار، كما تخلّف الطيور المهاجرة بعد أن ترتاح من طيرانها والحيوانات الأكبر حجما على الجليد مصادر من المواد الغذائية وراءها.
وقال البروفيسور روني غلود Ronnie N. من “جامعة جنوب الدنمارك” وهو من المشاركين في الدراسة أيضا، إن “تغير المناخ تبعه مزيد من العواصف ومزيد من زيادة في معدلات هطول الأمطار، ومن المتوقع أن تجد المزيد من المغذيات طريقها من المناطق المحيطة نحو البرك الجليدية المذابة”، وأضاف: “هذه العوامل، بالإضافة إلى حقيقة أن انتشار وتزايد البرك نتيجة ذوبان الجليد، يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاجية في الحياة النباتية والحيوانية في البحار القطبية الشمالية”.
كما لاحظ العلماء عوامل أخرى قد تساهم في زيادة الإنتاجية في البحار القطبية الشمالية، وذلك أنه عندما يختفي الجليد البحري، يمكن للضوء ان يخترق اعماقا أكبر من المياه القطبية، ما يساعد الطحالب على النمو، كما أن عدم وجود الجليد البحري يسمح للرياح بتحريك المياه، وبذلك تصل المغذيات من السطح إلى المياه العميقة، بالإضافة إلى أنه عندما يصبح الجو أكثر دفئا على البر، فإن ذلك يمكن المزيد من المياه المذابة من التدفق إلى البحر، حاملة المزيد من المواد المغذية معها.