كثيرا ما يتردد على مسامعنا أن ثمة شخصا “يجلد” نفسه – مجازياً أو في الواقع – ولا يستطيع أن يخرج من حالته هذه، كونه يعيش في دوامة من القلق المستمر، وقد يتطور الأمر وصولا إلى الانهيار العصبي.
لكن ما معنى أن إنسانا “يجلد” نفسه في الطب النفسي؟ وما سبب ازدياد مثل هذه الحالة النفسية؟ وهل الأمر على صلة بضغوطات الحياة اليومية؟
من هنا، كان لا بد من القاء الضوء على هذه المشكلة النفسية التي بدأت تتفاعل في عالمنا وسط ظروف حياتية صعبة، خصوصا وأن علاجها ليس بالأمر السهل، لان هذه المشكلة النفسية ما زال من الصعب تحديد أسبابها.
تحفيز الوعي الذاتي
في هذا الاطار، شرح الأخصائي في الطب النفسي الدكتور انطوان سعد لـ greenarea.info الاسباب التي تدفع بالانسان إلى ان يجلد نفسه، فقال: “ان جلد النفس، كمثل شخص في السجن يشتكي انه مسجون، واعطوه المفتاح ليخرج منه، الا انه لا يمسك بالمفتاح لفتح باب السجن، ما يعني ان الانسان لديه حلا لمشكلته التي يشكو منها، الا انه لا يطبقها على نفسه، لانه سبب المشكلة التي يعاني منها، فهو مصدر المعاناة لنفسه”.
وأضاف: “لذلك، اهم شيء هو تحفيز الوعي الذاتي لكي يخرج الانسان من حالته النفسية المتأزمة، والتي من الممكن ان تؤدي الى الانهيار النفسي. على سبيل المثال كلنا يعلم ان الملح يزيد ارتفاع الضغط ولكن لا يسببه. لذلك ما يجب القيام به هو قمع العدو الاكبر في داخلنا، فلنبنِ معه علاقة جيدة سليمة وكل الضغوطات الخارجية تزول وتصبح ثانوية، لان المشكلة التي نعتقد انها تأتي من الخارج انما هي بالحقيقة موجودة في داخلنا دون ان ندري بذلك، لاننا لا نحب ان نواجه انفسنا، بل نحمل غيرنا المسوؤلية من دون ان نتحملها نحن بالذات، وبذلك نكون بهذه الطريقة كمن يجلد نفسه، بمعنى أن الانسان لا يريد ان يتحمل المشكلة بل يريد تحميلها لغيره”.
معالجة الاسباب من الجذور
وقال الأخصائي في الطب العام وعلم نفس الدكتور مرام الحكيم لـ greenarea.info: “هناك نوعان من جلد النفس، جنسي ومعنوي، اما على الصعيد المعنوي وتأثيره النفسي، فالانسان في هذه الحالة يصيبه الشعور بالذنب، يكره نفسه ويشعر انه مخطىء يجب معاقبته نفسيا، كونه ليس كما توقع اهله أن يكون، فيلوم نفسه لدرجة ان حالته النفسية المتأزمة قد تؤدي به الى الانهيار النفسي في حال لم يعالج مسبقا”.
واضاف: “من الصعب ان نحدد عدد المصابين بحالة جلد النفس، كونها جزء من عدة مشاكل نفسية، وهذه الحالة المرضية لا تميز بين الرجال والنساء، إذ ان الذي يعاني من جلد النفس، في حال اكتسب الشعور بالذنب من طريقة تربيته أو فعليا كان مقصرا بشيء ما يستطيع ان يقوم بأي شيء ليتخلص من هذه الحالة، اما اذا لم يكن مقصرا بشيء ومصابا بهذه الحالة النفسية المتأزمة، عندها يحتاج الى علاج نفسي لتحديد السبب، وكيف يمكن أن يخرج من ازمته النفسية كأن به يشعر بأنه فاشل، كلها اسباب لها جذور ولا تأتي بالوراثة، ويمكن أن يتجاوز حالته النفسية المتأزمة من خلال علاجات نفسية مناسبة، لان بكل اسف ما نشهده احيانا أن هناك علاجات سطحية غير جدية تعتمد على الدواء، والعلاج النفسي يكون غير كافٍ ومن المحتمل ان لا ينجح، فالعلاجات السطحية المؤقتة يكون مفعولها مؤقتا ولا تعالج الحالة النفسية من جذورها، كأن يقال للمريض النفسي عليك ممارسة الرياضة او تناول دواء للاعصاب، وهذا يعني علاج الحالة النفسية مؤقتا، لذلك يجب معالجة الاسباب من الجذور”.
أما النوع الثاني فيتمثل في جلد الانسان نفسه للوصول الى النشوة الجنسية، وأوضح الحكيم: “ان الذي يجلد نفسه بالسوط للوصول الى النشوة الجنسية، فهذا يعني أنه كان منذ صغره يتعرض للضرب من أمه، فيترجم ذلك على جسده وعلى غيره عندما يكبر، باختصار هذه الحالة تسمى بالسادية”.
الانعزال الاجتماعي
الأخصائية في الطب النفسي الدكتورة دالين باسط قالت لـgreenarea.info : “ان جلد النفس يعتبر حالة نفسية معينة ناتجة عن اكتئاب ما، فالمهم ان نعرف سبب هذه الحالة التي اوصلتبالانسان الى هذه المرحلة المتأزمة نفسيا، لانه ربما تكون سببا يؤدي إلى الانهيار النفسي، ذلك أن المريض يرى اي شيء ايجابيا، فليجأ الى تعذيب النفس، مع عدم رضى عن حاله الى درجة الانعزال الاجتماعي، أهم شيء ان نعرف السبب الذي وصل الانسان الى هذه المرحلة عندها نكون قد خطونا خطوة مهمة في العلاج الذي يتراوح بين الدواء والعلاجات النفسية، فالدواء وحده لا يكفي، اذ انه يعالج العوارض ولكن لا يعالج المشكلة، فمن الافضل ان تسير تلك الامور العلاجية بشكل متواز لكي يتخلص المريض من مشكلته النفسية”.
العلاجات الحديثة المتطورة
وقال الأخصائي في الطب الداخلي الدكتور ايلي فرح لـgreenarea.info : “لا شك ان الازمات النفسية تؤثر على الحالة الجسدية سواء على القلب وارتفاع الضغط والربو وغير ذلك، كما أن المصابين بالانهيار النفسي عندهم خطر الذبحة القلبية اكثر من غيرهم، لذلك ننصح باللجوء الى العلاجات الحديثة المتطورة، كممارسة الرياضة ضد التشنج للتخلص منه الى الخارج”.
وقال الأخصائي في علم النفس الدكتور نبيل خوري لـ greenarea.info : “كان الانسان في السابق يلجأ الى جلد نفسه لكي ينسى الشهوة الجنسية لديه، الا انه مع فرويد تبين انها تزيد لديه الرغبة الجنسية ولا علاج لها، اما اذا كانت المشكلة نفسية فلا بد ان نساعده لكي يتخلص منها”.
اخيرا اعتبر الأخصائي في الطب النفسي الدكتور سمير جاموس عبر greenarea.info انه “في الطب النفسي ليس موجودا ما يسمى بجلد النفس كل ما يحكى او يقال هو نوع من الخزعبلات لا علاقة لها بعلم النفس”.