تعاني الينابيع الموسمية في لبنان، ولا سيما في السنوات الأخيرة الماضية، شحاً وجفافاً، على الرغم من أن لبنان ما زال يشهد معدلاً مرتفعا من حيث نسبة المتساقطات، وغالباً ما كان يواجه لبنان مواسم الشحائح في بعض السنوات، قبل أن يتحول تغير المناخ واقعا ملموسا، إلا أن المشكلة القائمة اليوم نجدها في مكانٍ آخر، في الهدر واستباحة المياه الجوفية، وافتقار لبنان إلى خطة لإدارة ثروته المائية.
وتبقى أسباب الجفاف عديدة، منها ما هو مرتبط بالتغيرات المناخية التي طرأت على المنطقة، فوفق خبراء، تقلّص عدد الأيام الممطرة من 80 إلى 90 يوما في السنة في المتوسط، فيما قبل 20 عاما وصل إلى 70 يوما في السنة فقط، في مقابل ارتفاع شدّة هطول الأمطار، ما يعني تسرب نسبة أقل منها إلى التربة، وجريان النسبة الأكبر على الأرض، الأمر الذي يتسبَّب في انجراف التربة، وحدوث إنهيارات أرضية وفيضانات، فضلا عن التصحر في نهاية المطاف.
من ناحية أخرى، توفِّر الثلوج نحو 35 بالمئة من احتياجات لبنان من المياه، ومع ارتفاع درجات الحرارة، من المتوقع أن يتقلَّص تساقطها، وأن يرتفع خط الثلج الدائم، وفق مسوحات المركز الإقليمي للمياه والبيئة التابع لـ “جامعة القديس يوسف” University of St. Joseph في بيروت.
الينابيع الموسمية
يعرّف أحد خبراء المياه لـ greenarea.info الينابيع الموسمية بأنها “تلك التي لا يدوم تصريفها على مدار السنة، وتبدأ بالظهور في فصل الشتاء، حيث تتغذى من مياه الأمطار، وبعضها يظهر في فصل الربيع ويتغذى من المياه الناجمة عن ذوبان الثلوج، بينما تجف جميعها في فصل الصيف وأوائل فصل الخريف”.
عانت معظم الينابيع اللبنانية، في السنوات الأخيرة من الشح والجفاف، لأسباب منها طبيعية ومنها متعلقة بالفوضى وعبث البشر، ووفقا للخبير: “تخرج مياه هذه الينابيع من فوهات أو شقوق أو كهوف، وباندفاع يتناسب مع طاقة الحامل المائي الجوفي، الذي يغذي النبع”، وأشار إلى أن “انخفاض مستوى المياه الجوفية، ينتج عن النقص في كميّة المتساقطات، وعن كثرة حفر واستثمار الآبار، مما يؤثر سلباً على تصريف الينابيع”.
إهمال حكومي
تعتبر الآبار أحد الأسباب المباشرة، لشح مياه الينابيع، ومع غياب الإهتمام الرسمي يزداد خطرها، في هذا المجال يتابع الخبير: “حسب الإجراءات المتبعة في وزارة الطاقة والمياه، عند تقديم شكوى عن تأثير أحد الآبار على ينابيع مجاورة، تكلّف الوزارة لجنة فنيّة لإجراء الكيول اللازمة على تصريف النبع، قبل الضخ من البئر. وبعد عدّة ساعات من الضخ تجري كيول جديدة، وإذا تبيّن إنخفاض تصريف النبع بعد الضخ، تعمد الوزارة إلى إقفال البئر وإلغاء الترخيص، في ما لو كانت البئر تستثمر بموجب ترخيص”.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى غياب الكشف الدوري الرسمي، ويضيف “كان في وزارة الطاقة والمياه دائرة تدعى (الرصد المائي)، وكانت تقوم بالكشف الدوري على الينابيع الرئيسية في لبنان. ولكنّها أصبحت خالية من الموظفين بعد أن تقاعد جميعهم، ما أدى إلى عدم متابعة الكشف على الينابيع، وإجراء الكيول اللازمة عليها”.
ينابيع لبنان
وفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الـــ “فاو” FAO، تكثر الينابيع في لبنان، بسبب وجود صخور جيولوجية شديدة التصدّع، وتكوّن الصخور من طبقات متعاقبة ذات نفاذية متباينـة، تشكل خاصيـة منتشرة في كل لبـنان.
وهناك نحو 2000 نبـع رئيسـي ككل، والكثيـر مـن الينابيـع الصغيـرة الأخرى توّفـر تدفقـاً مائيـاً يقدر بـ 150, 1 مليـون مـتر مكعب/السنة. كما تتواجد ينابيع أخرى على طول الساحل أو تحت سطح البحر. وتُعرف هذه الينابيع بالينابيع “غير التقليدية”، إذ أنه من شبه المستحيل حجز مياهها قبل أن تصب في البحر.
كذلك يتراوح حجم المياه الجوفية القابلة للإستغلال في لبنان، بين 400 و 0001 مليون متر مكعب، ويساعد وجود الشقوق والصدوع مياه الثلوج والأمطار على التسرب إلى عمق الأرض، مغذية بذلك الطبقات الجوفية، وقد تعود المياه لتظهر على مرتفعات أدنى، على شكل ينابيع تصب في الألنهار.
يتم هدر أكثر من نصف الـ 2600 مليون متر مكعب، من المياه السطحية والجوفية التي يمكن استغلالها. ناهيك عن تلويث المياه العذبة بمجاري المياه المبتذلة، وآبار التصريف التي تحفرها البيوت والمؤسسات والمستشفيات أيضًا، بحيث تختلط مياه المجارير بمياه الشرب.
لذلك فمن المتوقع أن يصل لبنان العام 2025 ، إلى حافة ما تصنِّفه الأمم المتحدة بـ “ندرة المياه الحادّة”، ما لم يتم وضع خطة سريعة للمعالجة.