يستمر العمل في المقالع والكسارات، التي تغزو جبال عكار، على الرغم من قرار وزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق، بوقف أعمال الحفر ونقل الناتج، لمدة شهر، في كل المناطق اللبنانية. استفاد أصحاب الكسارات والمرامل في وادي جهنم، وتلك الواقعة على الحدود الفاصلة بين محافظتي عكار والهرمل، من هذا القرار لزيادة وتيرة نشاطهم، في ظل غض طرف كلي من المؤسسات الرسمية من وزارات وإدارات ومخافر.
لم تشفع الطبيعة الخلابة، المصنفة من ضمن أجمل الغابات اللبنانية والتي تشكل ملاذاً لمشجعي السياحة البيئية في عكار، في منع التعديات عن وادي جهنم الواقع على الحدود بين عكار والضنية، أو أقله في منع تفريخ مقالع وكسارات جديدة، إذ يفاجأ مروجو السياحة البيئية، كل أسبوع، بتعديات جديدة، كانت كفيلة على مدار سنوات بتغيير معالم الطبيعة في عكار.
تحاصر المرامل والمقالع سفوح عكار وجبالها الرئيسية، من جهة عكار ـــ الضنية أو من جهة عكار ـــ الهرمل، حيث قضت المقالع والكسارات على غابات نادرة، وتحديداً في منطقة كرم شباط، وفي وادي جهنم وبلدة القمامين في الضنية لجهة بلدة قبعيت في عكار.
تعمل الكسارات على الحدود مع الهرمل من دون أي ترخيص، وقد أطاحت مع الوقت غابة أرز السويسة وغابة وادي الفارغ والحريق، والعريشة المعروفة بأشجار اللزاب النادرة.
ينتشر ما يزيد على عشر كسارات بين منطقة السويسة من جهة البقاع ومنطقة الرويمة في الشمال، وذلك في مساحة لا تتعدى 15 كيلومتراً مربعاً، كما لا تبعد الكسارة عن الأخرى أكثر من 300 متر. جميعها تقع في أملاك الدولة، وفي منطقة غنية بالينابيع.
الواقع نفسه في منطقة وادي جهنم، التي شهدت أخيراً انفجاراً ضخماً أحدث رعباً في نفوس الأهالي، ليتبين أنه ناجم عن انفجار في إحدى المرامل. تنصّل الجميع من الاعتراف بقرية جيرون الواقعة بين مثلث عكار ـــ الضنية ـــ الهرمل، وبالتالي من مسؤولية متابعة شؤونها الإنمائية، أدى الى حالة من الفلتان في البلدة، فالمقالع والكسارات تستبيح أجمل الغابات والمواقع الأثرية، وتعمل الآليات على مدار 24 ساعة، ما أدى الى تغيير ملامح الجبل والقضاء على مئات الأشجار الحرجية. هذا الواقع يطرح تساؤلات عدة عن الوضع القائم في محافظة عكار، والتي تشهد حركة لافتة للشاحنات من دون أي مراقبة. فهل هناك أي تنسيق بين محافظة عكار وقضاء الضنية بالنسبة إلى التعديات القائمة؟ وبين عكار والهرمل للسبب نفسه؟ وماذا تنتظر الوزارات المعنية لتتحرك وتضع حداً للفلتان الحاصل؟ وأين أصبحت الداتا التي عمل محافظ عكار عماد لبكي على تكوينها قبل عامين، والتي أظهرت بحسب إحصاء القوى الأمنية في عكار وجود 55 مقلعاً ومرملاً وكسارة موزعة على مختلف أرجاء المحافظة؟ وفق هذا الإحصاء، الذي شمل منطقة الجومة والدريب والقيطع والاسطوان، فإن 31 مقلعاً من العدد الإجمالي لا تعمل، إما بسبب توقفها لعدم حيازتها رخصة وإما لصدور حكم بحقها وختمها بالشمع الأحمر. إلا أن المفارقة أن الإحصاء لم يتطرق على الإطلاق إلى المقالع العملاقة في سفوح عكار وجبالها الرئيسية، حيث منبع المقالع والكسارات التي قضت على غابات عكار النادرة، كذلك لم يتم ذكر وادي جهنم على الإطلاق. فلمصلحة من تغطية كل هذه المخالفات؟ وهل ستكترث وزارة البيئة لعشرات الطلبات المقدمة من قبل الجمعيات البيئية والمطالبة بوضع حد لانتشار المقالع، إضافة إلى السعي لعدم تفريخ المزيد منها وإغلاق المقالع التي تعمل من دون حسيب أو رقيب.
وكانت أكثر من 100 شاحنة محملة بالرمل قد احتشدت على طريق عام بيت جعفر في منطقة المخزن، لمطالبة الوزير المشنوق بالسماح لها بالعبور. وأكد أصحاب الشاحنات “أن لا ذنب لهم بما يجري، وهم بحاجة إلى متابعة أعمالهم وتحصيل أرزاقهم”.
من جهته، أكد عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر جيمي جبور في بيان له “أن الوقت حان لتضع الدولة يدها على ملف كسارات الهرمل ـــ عكار، مناشداً وزراء الداخلية والبيئة والأشغال وضع يدهم للمرة الأولى على ملف الكسارات التي تنهش الجبال على الحدود بين عكار والهرمل من دون أي ضوابط ، مؤكداً “أن أي حل يجب أن يبدأ بوضع جدول لتوقيت مرور الشاحنات التي تؤرق راحة المواطنين في بلدات دريب عكار ليل نهار وبأعداد هائلة، ومن ثم بالكشف على الكسارات التي تقع جميعها على الأملاك العامة وتعمل من دون أي ترخيص”.
وذكّر جبور وزير الداخلية “بأن عكار هي المنطقة الوحيدة التي تسير فيها الشاحنات على مدار الساعة ومن دون أي جدول توقيت، وأن قراراً سابقاً بهذا الشأن لمحافظ عكار وضع في الأدراج ولم يطبّق”، مؤكداً “أن ما يشاع عن احتجاز مئات الشاحنات لا أساس له، إذ إن هذه الشاحنات لا تزال تتسرب بعد انقضاء منتصف الليل وتختفي الطوابير عند كل صباح لتعود وتتكرر مسرحية الاحتجاز كل يوم”.