لا يقتصر مفهوم البيئة على ما أبدعته الطبيعة عبر العصور، ولا على نُظُمِها وقوانينها الراسخة منذ ملايين السنين، فالبيئة هي المدى الإنساني الأشمل، وكل موروث الإنسان الحضاري، لذلك تسعى الدول والمؤسسات الدولية إلى تصنيف شواهد تاريخية ومواقع طبيعية وآثار على قائمة التراث العالمي للإنسانية، وهذا ما اضطلعت به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة united nations educational scientific and cultural organization الـ “يونيسكو” UNESCO، من أجل الحفاظ على الحضارة العالمية والتراث الطبيعي”.
وفي لبنان، ما تزال ثمة شواهدُ تاريخية كثيرة استبيحت في مراحل سابقة، لكنها لما تزل قائمة تنتظر من يرفع عنها تبعات الإهمال والتخريب، ولا نقصد هنا المعالم التاريخية المعروفة، أي تلك الحاضرة على قائمة وزارة السياحة والمديرية العامة للآثار، وإنما المعالم التي ما تزال غير مصنفة، ولا تلقى ما تستحق من اهتمام ورعاية.
مونس: اكتشفت معالم كثيرة
بعض هذه الآثار وثقها الخبير في الحياة البرية والطبيعية شمعون مونس (المتخصص في الانثروبولجيا)، وتمكن من إماطة اللثام عن الكثير من الكنوز والمواقع الأثرية غير المعروفة، وغير المدرجة على قائمة وزارة السياحة، وأشار لـ greenarea.info إلى أن “ما وثقته يعتبر جزءاً مهما من تاريخ لبنان لم ينفض عنه غبار الإهمال”.
وتمكن مونس الذي آثر منذ استقراره في لبنان بعد الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية تأسيس نادٍ رياضي وعلمي أسماه “نادي الطرقات للرِّجل (القدم) المخفية” أن يستكشف الطرق التي كان يسلكها الأجداد قديما، وقال: “لقد اكتشفت معالم كثيرة في كافة المناطق اللبنانية سأعمل على توثيقها ودراستها، من معابد ونقوش قديمة وجسور وطواحين ومعاصر وغيرها، مع ما طاولها من عمليات نهب وتخريب، خصوصا تلك التي يسهل الوصول إليها”.
ويؤثر مونس أن يُبقي الكثير مما اكتشفه “طي الكتمان ليبقى بعيدا عن أيدي العابثين، ولا سيما أولئك الذين يصرفون جل أوقاتهم في البحث عن (كنوز مرصودة)”، لافتاً إلى أن هؤلاء لا يتورعون عن القيام بأي عمل في سبيل أطماعهم الوهمية”، مستغربا أنهم “يصدقون العرافين والمنجمين”.
كنوز ضائعة
ومن مكتشفات مونس لُقى تاريخية، هي عبارة عن نقود ترقى إلى عهد الامبراطور الروماني قسطنطين (285-337 ميلادية)، عثر عليها في معبد قديم في بلدة عين دارة – قضاء عاليه، يعرف باسم “معبد طيروش” في منطقة تعرف أيضا باسم “محلة طيروش”، حيث بنيت قديماً قلعة كانت مركزاً في غاية الأهمية، ويستدل على ذلك من المعبد الذي أقيم عند أحد جوانب القلعة، ومن المقصلة التي نصبت لتنفيذ حكم الإعدام والتي تُعرف حتى اليوم بـ “مشنقة طيروش”، على ما ذكر بعض أهالي البلدة المسنين لـ greenarea.info قبل أن يتحول إلى أنقاض وركام.
وقال مونس: “اكتشف هذا المعبد منذ سنوات عدة، لكن دائما أفضل عدم الاضاءة على كثير مما اكتشفه كي لا يتعرض للتشويه والتخريب”، وأضاف: “ما توصلت اليه من خلال بعض الدراسات إلى أن المعبد كان منذ القدم ثكنة عسكرية للجيوش الرومانية، ومن ثم البيزنطية، وكانت هذه الجيوش تستقر وتستريح فيه خلال انتقالها وغزواتها”، لكنه أكد أن “تاريخ المعبد غير واضح تماما، لكن المؤكد أنه خضع لعمليات ترميم وتوسيع في مراحل وحقبات مختلفة”.
تعرضت للنهب والسرقة
ولفت مونس إلى أن “المعبد يقع عل مسار قديم يربط عين دارة بمعبدي عين عطا وعين حرشا”، مؤكدا أنه “ما يزال ثمة جسر روماني قديم في احد الاودية القريبة”.
وأردف: “هناك من يؤكد أن هذا المعبد كان وثنيا، لكن بعد ظهور المسيحية أيام الامبراطور قسطنطين تحول إلى معبد مسيحي، وما يؤكد ذلك النقود القديمة التي عثرت عليها تحت خرائب المعبد، وكما شاهدتم فقد بدا عليها الصليب البيزنطي ورأس أحد الملوك في احدى الحقبات الزمنية القديمة”، لافتا إلى “وجود كميات كبيرة من الفخاريات المهشمة والتي يمكن الاستناد اليها في دراسة الحقبات الزمنية والشعوب التي توالت على المعبد”.
وعثر مونس على خاتم قديم من البرونز، وقال: “هذا دليل على أنه كانت ثمة آثار تعرضت للنهب والسرقة”، ودعا “سائر الجهات المعنية في الدولة إلى حماية هذه اللقى والكنوز والشواهد”، وشدد على “ضرورة استعادة هذه المواقع ودراستها والافادة منها كمعالم تاريخية سياحية”.