لن ندّخر جهدا في greenarea.info في توثيق المخالفات التي تطاول البيئة، كونها باتت أكثر بكثير من الممارسات التي تراعي الاستدامة، ويتبعها مواطنون شغوفون بالمحافظة على ما يكتنز لبنان من تنوع حيوي، خصوصا لجهة الحفاظ على الثروة السمكية وحماية الأنواع المهددة، ما يستدعي الحفاظ على الأسماك الصغيرة في البحر لتكبر وتتكاثر، وبذلك يضمنون مواسم عديدة، وفقا لمعايير الصيد المستدام، فهم يعترفون أنهم ليسوا “طوباويين” في الإمتناع عن الصيد تماما، لأنه مصدر رزقهم أو متعتهم، ولكنهم يؤكدون أنهم لا يريدون لهذه البيئة أن تستنزف بهذا الأسلوب الجائر، لا سيما وأن رقابة الدولة بسبب قلة المعدات والكادرات ضعيفة للغاية في هذا المجال.
وفي هذا السياق، تلقينا من الناشط في مجال الصيد البحري المستدام حليم محبوب النقور شكوى تلحظ تمادي الفوضى والصيد الجائر، خصوصا وأن النقور أطلق مع مجموعة من الناشطين صفحة “الصيد البحري في لبنان”، مع بدء التحضيرات لإطلاق جمعية تحمل اسم “جمعية الصيد البحري المستدام في لبنان”
وقال النقور: “أصبح لدينا معلومات واسعة حول مجالات الصيد غير المستدام في لبنان، إلا أن أخطرها ما يعرف بالعامية بقوارب (اللوكس) ويسميها البعض الغرغيري gorgayri، وعددها 90 يعمل منها حوالي 70 قاربا”.
مواسم منخفضة
وعن الوضع القانوني لهذه القوارب، قال: “تعطي الدولة رخصة جاروفة لوكس، في الفترة من 15 نيسان (أبريل) حتى 15 كانون الثاني (يناير) من غروب الشمس إلى شروقها، وعلى عمق ما بين 35 و 38 مترا، من الشبك الرفيع الممنوع استخدامه، باستثناء السردين وهذا الأمر يطبق عالميا، وهذا النوع من الصيد يتمثل في إضاءة 4 منصات من الفلين بأضواء كاشفة تصل قوة مصابيحها إلى 500 واط كحد أقصى، ولكن البعض يخالف بزيادة عددها، ومن المتوجب قانونا وضع اسم المركب أو رقمه على هذه المنصات، لكن ما يحصل حاليا، أنها تستعمل نهارا، كما أنهم لا يكتفون بهذا النوع من السمك لأنهم يتجاوزون القانون بالإقتراب من الشاطئ، ويتبع الصياد وجود السمك خصوصا البزرة ويحيطها (يحوقها) بالشباك ويجمع (يجرف) كافة أنواع الأسماك، قرب الساحل على أعماق منخفضة لا تتجاوز 7 أمتار، وهي مخالفة لكل أخلاقيات وممارسات الصيد المستدام، ويجمعون أسماكا لا يتجاوز وزنها 10 غرامات و(يعربونها) أي يفرزنها وترمى الأسماك الأخرى نافقة في البحر قبل وصول المركب إلى الشاطئ، فهو أمر لا يهم هذا الصياد، لأنه يريد سمك البزري، ولا يهمه مقدار الأذى الذي يلحق بقية الصيادين من نفوق صغار الأسماك الأخرى”.
وأضاف النقور: “يتابع أعضاء مجموعتنا على موقع الفيسبوك توثيق الصور والفيديوهات لقوارب صيد اللوكس قرب الشواطئ اللبنانية وعلى أعماق قليلة”، وقال: “لأعطي مثلا، فإن فرش (مستوعب) يتسع لـ 20 كيلو من السمك الصغير يقدر سعر كل كيلو منها بين 3-5 آلاف ليرة، بينما إن كبرت سمكة السردين مثلا، فسعر الكيلو منها يتجاوز 30 ألف ليرة، أما 10 سمكات من بزرة المليفا بوزن إجمالي 50 غراما تصبح كيلو مستقبلا بسعر كبير نسبيا، وأسعار غيرها مثل أبو سن والسلطان ابراهيم يتجاوز هذا المبلغ بكثير، والمهم الالتزام ببزرة السردين، والابتعاد إلى جوف البحر”، وأشار إلى أن” الضرر يتجاوز هذا الأمر، فهذه الأسماك الصغيرة خلال وجوها في مياهنا تجتذب أسماكا أكبر مثل التونا، التي تشكل مصدر رزق للصيادين، لذا فقد شهدنا مواسم منخفضة في الأسماك الكبيرة في السنوات الأخيرة، بينما شهدنا كمية صيد كبيرة لأسماك البزري، ما أثر على إنتاجيتنا”.
ولفت النقور إلى أن “القانون جائر بالنسبة إلى بداية الموسم، وهو بعد 15 نيسان (أبريل)، ومن المفترض أن تمدد هذه الفترة إلى ما بعد شهرين أي إلى حزيران (يونيو)، لتستطيع الأسماك أن تنضج وتتكاثر مرتين على الأقل”.
وعن الرقابة، قال “وزارة الزراعة هي الجهة الرقابية لهذا الموضوع، لكن 4 مراكب لا تكفي لضبط كل هذه المخالفات على طول الساحل اللبناني، ويستثنى من هذه التجاوزات منطقة صور، حيث الرقابة على هذا الأمر أدت إلى ضبط الصيد، ويوثق أعضاء المجموعة ومستقبلا جمعية الصيد البحري المستدام، كل هذه المخالفات لأننا إن لم نتحرك فلا مجال للتغيير، وسنعاني جميعا”.
وزارة الزراعة
وقال رئيس مصلحة الأحراج والثروة الطبيعية في وزارة الزراعة الأخصائي بتربية الأسماك الدكتور داهش المقداد لـ greenarea.info: “هناك قانون لهذه المراكب بعدم الصيد على أعماق أقل من 25 قامة حتى لا تصل الشباك إلى الأرض، وحتى لا تكون مثل جاروفة البر، ولا يقتصر الخطر على هذا الأمر فحسب، بل إن هذه الجاروفة تصطاد أسماكا غير السردين، سكومبي، ذكر جربيدي، غبص وغيره، ونحن متابعون ونعالج هذا الأمر، وبالفعل فقد أرسلنا من فترة اسبوعين برسالة إلى وزارتي الدفاع والداخلية لضبط وقمع المخالفات”.
وأضاف: “للأسف لا توجد في بحرنا في لبنان عدة صيد غير مخالفة، مثلا الشبك المبطن، الديناميت، الكومبريسور وغيرها، فالثروة السمكية على شفير الهاوية، ولم يقتنع الصيادون أنفسهم بهذا الأمر وأن ما نقوم به هو لمصلحتهم، وإن المحافظة على هذه الثروة هي لخدمتهم لتبقى موردا مستداما، ومنذ يومين، طلب معالي الوزير صيغة للمحافظة وضبط هذه الأمور بناء على اتصال من نواب ومسؤولين من منطقة الشمال، وأكد معاليه حرفيا، أنه مستعد للقتال في هذا المجال إلى أبعد الحدود إن وجد أن الأمر يساعد على حماية الثروة السمكية”.
وأشار المقداد إلى أن “الوزارة تتابع الموضوع، وسبق أن أصدرنا منذ 4 سنوات، جدول تعويضات لإبدال معدات الصيد المخالفة بأخرى قانونية، والأسباب الموجبة أنه بذلك فإن الإنتاج السمكي سيزيد بين ألف وألفي طن، أي زيادة بين 20 و30 مليون دولار، ونحاول بحملات ودورات التوعية توعية الصيادين بالإضافة إلى ضبط المخالفات”.
وقال المقداد: “نتابع دراسة على شباك اللوكس منذ 4 أشهر، تشمل الأضرار والمنافع، والنتائج لم تصدر بعد، وان شاء الله تكون خير على الثروة السمكية، وسنتبعها بدراسات على كافة أنواع الصيد المستعمل، كما أن الوزارة تشكو من النقص في العتاد المادي واللوجستي ويشل التقاسم المناطقي والطائفي والمذهبي كافة الوزارات والأوضاع الإقتصادية القاهرة كافة متطلبات الحياة، فالصيادون بلا تأمين طبي أو اجتماعي فالتقديمات الإجتماعية المعدومة تدفعهم إلى المخالفة أكثر، ولدينا فريق للمراقبة و4 مراكب للمراقبة البحرية، وهي غير كافية لضبط المخالفات”.
وأشار المقداد إلى “قرار صدر في العام 2004 بقياسات السمك المصطاد، فالسمك المخالف يمكن مصادرته، لكن الأوضاع كما ذكرت لا تمكننا من ضبط هذه المخالفات، ونصدر محضر ضبط ويقدم للنيابة العامة، كما أن هناك ضبطا لاستعمال بعض معدات الصيد مثلا يمنع استعمال جاروفة البر من 15 أيار (مايو) حتى 15 أيلول (سبتمبر) لأن بيوض الأسماك تقترب من الشاطئ، وجاروفة اللوكس ممنوعة 4 أشهر من كانون الأول (ديسمبر) حتى 15 نيسان (أبريل) ليعطى المجال لتكاثر الأسماك، ولكن لم يتم الإلتزام بها، وقدم قانون لإقراره في مجلس النواب منذ خمس سنوات يتعلق بالأحياء البحرية، ومن المطلوب من تعاونيات ونقابات الأسماك أن تكون أكثر حزما في التعاطي مع المورد السمكي، وعلى الصيادين الالتزام بالقوانين والقرارات الصادرة عن وزارة الزراعة”.