تشكل الآفات الزراعية، ولا سيما منها القوارض، مشكلة كبيرة تطاول العديد من المدن الكبرى والأراضي الزراعية، فهي عدا عن الأضرار المادية التي تتركها في المزروعات والحبوب وما ينجم عنها من خسائر مادية، تشكل بؤرة لانتقال الأمراض، وقد كانت مكافحة هذه الآفة معضلة منذ بدأ الإنسان ممارسة الزراعة لتأمين غذائه، وبدأت تاريخيا باستخدام أعداء طبيعيين كالقطط، وذلك في العام 3000 قبل الميلاد، ولا سيما في مصر القديمة منذ أيام الفراعنة، وبعدها باستخدام المواد اللاصقة والأفخاخ والسموم المختلفة، إلا أنه مؤخرا توجه الباحثون لمكافحة القوارض من خلال نوع جديد من “الطعوم” دون استعمال السموم الشائعة، لمنع الفئران من البلوغ والوصول إلى مرحلة الولادة والتكاثر، ما قد يساعد على معالجة هذه الآفة في مختلف أنحاء العالم.

وبالفعل، فقد تمت الموافقة على هذا النوع من الطعوم – المعروف باسم كونترابيست – ContraPest من قبل وكالة حماية البيئة الأميركية في آب (أغسطس) الماضي، فهذا الطعم يجعل الفئران عقيمة عن طريق تأثيره لجهة إحداث انقطاع الطمث المبكر لدى الإناث، وإضعاف إنتاج الحيوانات المنوية لدى الذكور، وليس هناك أي آثار جانبية قد تنجم عن استخدام هذا الطعم، وتنفق القوارض في نهاية المطاف وتتراجع أعدادها.

وتعتبر هذه التقنية حميدة أكثر من استراتيجيات السيطرة الأخرى التي يجري التحقيق فيها، مثل محرك الجينات Gene drive، والتي يمكن استخدامها لنشر جينات العقم في تجمعات القوارض، وقد حذر تقرير صدر مؤخرا عن “الأكاديميات الوطنية الاميركية للعلوم” The National Academies of Sciences من أن حملة محرك الجينات قد تكون لها عواقب غير متوقعة.

 

لا يمكن القضاء على الفئران نهائيا

 

وأدت التجربة الميدانية الأولى لـ “كونترابست”، التي أجريت في مترو نيويورك خلال العام 2013، إلى خفض عدد الفئران الموجودة إلى النصف في ثلاثة أشهر. وقد تم الانتهاء من تجربتين أخريين في الولايات المتحدة، واحدة في مزرعة واسعة النطاق، وثانية في منطقة حضرية، وكلا التجربيتين أجريتا في مدن من الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

وقد انخفضت أعداد الفئران في المزرعة بمقدار الثلث على مدى ثلاثة أشهر، وفي المنطقة الحضرية، تم الحد من نموها وتكاثرها خلال ذروة موسم التزاوج، بحيث زادت أعدادها بمعدل الثلث فقط.

وقالت براندي بيزينا Brandy Pyzyna من شركة “سنيس تك” SenesTech، وهي شركة التكنولوجيا الحيوية في ولاية أريزونا التي طورت هذا الطعم: “لن نقضي على الفئران تماما، فهي ذكية للغاية”، وأضاف: “ولكن إذا كنت تفكر في الأمر، فإن زوجا من الفئران يمكن أن ينتج 15،000 من صغار الفئران في السنة، وإن استطعت تقليل ذلك بمقدار الثلث في بضعة أشهر، فأنت تتحدث بالفعل عن 5000 فأر أقل، وسوف تستمر أعدادها في الانخفاض”.

وأشارت بيزينا خلال تقديمها أحدث النتائج في مؤتمر القوارض الفقارية الاسترالية في كانبيرا – أستراليا، الأسبوع الفائت إلى أنه”بالمقابل، فإن فكرة كونترابست أكثر إنسانية وفعالية من سم الفئران”، وأضافت: “إن مشكلة قتل الفئران تتمثل في أن فئرانا أخرى تتحرك ببساطة لتحل مكانها، ومن ناحية أخرى، فإن السيطرة على الخصوبة تحافظ على عدد صغير من الفئران الموجودة وهي تحرس أراضيها من القادمين الجدد”.

 

مزيد من الأبحاث

 

أما المكونات النشطة في الطعم فهي triptolide and 4-vinylcyclohexene diepoxide، ويمكن أن تتسبب بالعقم في الحيوانات الأخرى، ولكن ليس مع الجرعات الصغيرة المستخدمة في الطعم، ويحتفظ بالسائل بنكهة محببة لدى هذه القوارض في أماكن معينة يمكن للفئران الوصول إليها فقط، وبمجرد تناولها، يتم تكسير المواد الكيميائية خلال عملية التمثيل الغذائي للفئران، ما يمنعها من تلويث الحيوانات المفترسة أو البيئة.

وعلق بيتر بانكس Peter Banks في “جامعة سيدني” The University of Sydney بأن “هذا النهج يبدو واعدا، ولكنه يحتاج إلى مزيد من الأبحاث طويلة الأجل، وقد ينتهي المطاف بالفئران التي لا تتناول الطعم بأن تكون أكبر”ـ وأضاف: “إنه من الصعب حقا القضاء على الآفات”.

وتواصل بيزينا وزملاؤها البحث في آثار كونترابست على أعداد الفئران، مع تكييف هذه المادة أيضا مع أنواع أخرى من الآفات، وهم يعملون حاليا على إعادة صياغة الطعم لاستهداف الفئران والخنازير البرية، ولكن ثمة اتجاه أيضا لاستخدامه لدى الغزلان والكلاب والقطط البرية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This