تتنوع ملوثات مياه البحر الابيض المتوسط، كالتسرب النفطي، مياه الصرف الصحي، نفايات معاصر الزيتون، الزيت المعدني، الزئبق، الرصاص والفوسفات …الخ، وتلعب طبيعته الجغرافية دوراً أساسياً في استمرار هذا التلوث، فهو يكاد يكون مغلقاً كونه يتصل فقط من خاصرته الشرقية ببحر آخر أكثر انغلاقاً هو البحر الأحمر، في حين يتصل غرباً بالمحيط الأطلسي عن طريق مضيق جبل طارق، واستناداً الى ذلك يرى خبراء البيئة البحرية أن المتوسط يحتاج الى حوالي 80 سنة لتجديد مياهه.

 

فظاعة التلوث

 

أشارت تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP إلى أن السفن العابرة للمتوسط (يعبر المتوسط سنوياً أكثر من 2000 سفينة منها 300 ناقلة نفط) رمت في مياهه أكثر من مليون طن من النفط الخام، وأن كمية المبيدات العضوية المكلورة التي يتم رميها سنوياً في البحر المتوسط تصل الى ما يقارب 100 طن من تلك المبيدات D.D.T و P.C.B، في حين تبلغ كمية الفوسفات بحسب التقرير ذاته حوالي 3600 طن، إضافة الى 100 طن من الزئبق و4000 طن من الرصاص.

وعندما نعلم أنه يوجد في المتوسط حوالي 1900 صنف في كل كيلومتر مربع. 76 بالمئة منها نفايات بلاستيكية، ومن هذه النفايات يوجد حوالي 94 بالمئة أكياس بلاستيك، لا بد أن نتذكر أن كل كيس من البلاستيك يحتاج الى 400 عام ليتحلل، أما القوارير البلاستيكية فيلزمها فقط 450 سنة، كما يحتاج كوب من الفلين الى 50 عاماً ليتفتت، في حين العلب المصنوعة من الألمنيوم تحتاج فقط لـ 200 عام، وعلى الرغم من هشاشتها فإن الجرائد والمناديل الورقية لا تهضم قبل مضي أربعة أسابيع.

وعندما تدرك ماذا يعني أن تلقي حوالي 120 مدينة وجزيرة (حوالي 23 جزيرة)، متوسطية مخلفاتها من الصرف الصحي في حوض البحر، وأن حوالي 85 بالمئة من تلك المياه تصل إلى البحر دون معالجة كافية، وأن 60 مصنعاً  لتكرير البترول تقوم سنوياً برمي 20 ألف طن من النفط في البحر، ستعلم أن المتوسط مريض بيئياً، وستهولك فظاعة التلوث في المتوسط.

 

طرطوس واللاذقية أيضاً تلوثان

 

على الرغم من أنه لا يوجد محطة لمعالجة المياه الناتجة عن نشاط معمل اسمنت طرطوس، بل يتم تصريفها الى البحر عبر قناة “نهر الحصين”، وأن عمليات تفريغ وتحميل الفوسفات في مرفأ طرطوس ،تساهم بقسط كبير من تلوث المتوسط، إلا أن الملوث الاكبر هو مجاري الصرف الصحي، التي يصل عددها في طرطوس وحدها الى 300 مصب، منها 50 مصباً تصب مباشرةً في البحر. بدورها تضخ معاصر الزيتون في مناطق صافيتا وشمال اللاذقية، خلال فترة قصيرة نسيباً (تشرين الثاني/نوفمبر – كانون الأول /ديسمبر)، ما يقارب 120 ألف طن من سائل مائي حامضي داكن اللون، تسميه العامة “الجفت”، فيما اسمه العلمي هو “الزيبار”، ينتج عن غسيل وعصر كل طن زيتون حوالى 750 ليتراً من “الزيبار”.

 

النتائج

 

ستكون النتائج كارثية حتماً، رغم أن بعضها قد بدأ بالظهور، حيث يتوقع البيئيون أن الإنخفاض الكبير في أعداد “السلاحف البحرية” بسبب اكياس البلاستيك. سيؤدي حتماً الى ازدياد عدد الرخويات في البحر المتوسط في المستقبل القريب، كما أنه وبسبب التلوث الهرموني الذي يشهده البحر المتوسط فإن سمكة أبو سيف ذات المنقار الطويل مهددة بأن تتحول جميعها إلى الجنس الأنثوي. كما سيشهد البحر المتوسط نفوق أعدادا كبيرة من فقمة الراهب المتوسطية. وستعاني الشعب المرجانية من التلوث الرهيب لتتحول الى اللون الابيض كدليل واضح على موتها، وما هي إلا الموئل الاساسي لما نسبته 25 بالمئة من أسماك البحر المتوسط، وقد ظهر مؤخراً وبشكل جلي تدهور في حجم الطحالب القاعية والمغذيات (البلانكتون)، بسبب التلوث. وقد أشار تقرير صدر عام 2016 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أنه لم يعد هناك سوى 4 بالمئة من المناطق التي تنمو فيها المحاريات في البحر المتوسط، تُنتج مأكولات بحرية صالحة للتغذية البشرية.

وحول هذا الموضوع، قال المهندس غاندي حنا رئيس “مركز ترشيد الصيد البحري في طرطوس” في اتصال أجراه معه greenarea.info: “يتسبب تفاعل مياه البحر مع مكونات المياه المالحة – الصرف الصحي، ما يؤدي الى انتاج مواد كيميائية، تؤثر على نمو الأشنيات البحرية والطحالب والشعب المرجانية. بشكل عام، ما يحد من كمية الاوكسجين المذاب في الماء والتي تنتجها هذه المرجانيات عن طريقة عملية التركيب الضوئي”.

وأضاف قائلاً: “تتركز المواد الكيمائية المعقدة، الناتجة بفعل تلك التفاعلات بين مياه الصرف ومياه البحر، في أنسجة الأحياء البحرية من اسماك وقشريات وغيرها لتحولها الى مادة غير قابلة للاستهلاك البشري”.

مما لا شك سيتفاجأ الجميع بأن الشواطىء الزمردية للمتوسط الدافىء تعاني كل هذا الكم من التلوث، ولكن هذه هي الحقيقة المرة، والسؤال الذي يطرح نفسة هنا: من يعيد الحياة البحرية في المتوسط الى ما كانت عليه؟

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This