تحدثنا في مقالات سابقة عن السلبيات، التي رافقت أعمال مؤتمرات الإتفاقيات الكيميائية الثلاث، وعن الدور السلبي لبعض الإحتكارات الصناعية الكيميائية الكبرى وعدد محدود من الدول المتأثرة بها، والتي حرصت على مصالحها الخاصة ولو تعارضت مع بنود الإتفاقيات وأهدافها. وتحدثنا عن إفشال العديد من القرارات، التي كان لها لو أقرت أن تعظِّم إلى قدر كبير الحصيلة الإيجابية لهذه المؤتمرات.
ولكن على الرغم من ذلك، إن أعمال هذه المؤتمرات، التي امتدت لأسبوعين كاملين، وبحضور ما يزيد عن 1300 مشارك، وممثلين عن 170 دولة، ومشاركة عدد كبير من ممثلي المجتمع المدني العالمي والمنظمات العالمية، قد أنتجت عددا هاما من القرارات، وحققت العديد من الإيجابيات.
لقد تم إدراج بعض المواد التي اقترحتها اللجان العلمية على لوائح الإتفاقيات، وتم تأسيس وإطلاق شراكة جديدة بشأن النفايات المنزلية، وتم اعتماد تفويض جديد للإهتمام بالتلوث البحري بالبلاستيك.
هذه المؤتمرات، التي انعقدت تحت شعار “مستقبل خال من السموم: إدارة سليمة للكيماويات والنفايات”، تمكنت من تحقيق جزئي لهذا الشعار، وكان ليكون النجاح أكبر لو أقرت بعض القرارات الأخرى، التي جرت عرقلتها والوقوف بقوة ضدها من قبل حفنة قليلة من الدول تحت تأثير بعض الإحتكارات العالمية.
تشترك الإتفاقيات الثلاثة بأهدافها في حماية الصحة البشرية والبيئة من مخاطر الكيماويات والنفايات الخطرة. ولقد حققت هذه الاتفاقيات تقدما، ولو جزئيا، على طريق تحقيق الأهداف في تخفيف الإرتهان للمواد الكيميائية السامة وتعزيز البدائل. إن التقدم المحقق، على تواضعه، يشكل خطوة باتجاه التنمية المستدامة، ومكافحة الفقر وسيادة الأمان العالمي.
إن الإدارة المستدامة للكيماويات والنفايات هي ضرورية من أجل حماية صحتنا وصحة أطفالنا وأجيالنا القادمة، أينما كنا على سطح هذه الأرض، ومهما كان عملنا وجنسنا وجنسيتنا أو مستوى دخلنا، وهذا ما عبر عنه السيد “رولف باييت” Rolph Payet، السكرتير التنفيذي للإتفاقيات الثلاثة لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
لقد وافق مؤتمر اتفاقية “بازل” على بعض القرارات الهامة، ومنها إطلاق شراكة جديدة بين القطاعين الخاص والعام حول مسألة النفايات المنزلية، لمساعدة البلدان على التعامل مع هذه القضية ذات الإهتمام المتزايد، وأعطى تفويضا لبدء معالجة النفايات البحرية، التي تشكل هذه الأيام تحديا رئيسا على المستوى العالمي.
وفي مؤتمر اتفاقية “روتردام”، انعقد توافق على إضافة 4 مواد كيميائية إلى لائحة المرفق الثالث، أي لائحة المواد الخاضعة لآلية الموافقة المسبقة عن علم في التجارة الدولية، حيث وصل عدد هذه المواد إلى 50 مادة. ولكنه أخفق في توفير التوافق المطلوب بشأن إضافة مادة “الكريزوتيل آسبستوس”، واستبدل ذلك بضرورة تبادل المعلومات بين الدول حول المواد الخطرة والسامة.
نجح مؤتمر اتفاقية “ستوكهولم” في إدراج العديد من المواد، التي اقترحتها اللجنة العلمية، إلى لوائح الملحقين أ (A) و ج (C). ومع هذا الإدراج سوف يتم العمل على تخفيف هذه المواد والتخلص منها، لمصلحة جيلنا والأجيال القادمة في حماية الصحة البشرية والبيئة.
إن الإدارة السليمة والآمنة للمواد الكيميائية والنفايات هي على أهمية كبيرة من أجل تطبيق أهداف التنمية المستدامة الموضوعة من قبل الأمم المتحدة، ولا سيما في مجال مكافحة الفقر، وحماية الصحة، والمساواة بين الجنسين، وفي مسائل سلامة المياه والمدن والمحيطات والغذاء والإنتاج والإستهلاك المستدام.
إن دور القطاع الخاص والشركات الكيميائية الكبرى كان بارزا في أعمال المؤتمرات الثلاثة، ولا سيما من خلال المعرض التكنولوجي، الذي نظمته خلال أيام المؤتمرات، بشأن الحلول التقنية التطبيقية لإنفاذ الإتفاقيات الثلاثة. وقد جددت الحكومات إلتزامها في العمل المشترك، وتعزيز فعالية تطبيق الإتفاقيات، وتقوية التآزر بينها، من أجل مستقبل خال من السموم.
هذه هي الجوانب الإيجابية في مؤتمرات الإتفاقيات الكيميائية الثلاثة، وهي دون التوقعات والآمال التي وضعتها شعوب العالم، وكانت لتكون أكبر بكثير لولا الدور المعرقل والسلبي، الذي لعبه بعض ممثلي الإحتكارات الصناعية الكبرى، وعدد محدود جدا من الدول، ولولا المحاولة التي قام بها هؤلاء لمنع مشاركة ممثلي المجتمع المدني في إحدى مجموعات الإتصال، لتسهيل تمرير مشاريع قرارات تضعف الإتفاقيات، وتتعارض مع مضمونها وأهدافها.