يواصل مؤتمر تغير المناخ المنعقد في بون أعماله لغاية يوم الجمعة المقبل، على “امل ان يساعد هذا الاجتماع على دفع الحياة في اتفاق باريس”، بحسب ما اشارت نشرة مفاوضات الأرض التي تصدر عن المعهد الدولي للتنمية المستدامة (IISD).
وكانت اجتماعات الأسبوع الفائت من المؤتمر قد شهدت حركة كثيفة من قبل العديد من الوفود، خصوصاً من قبل الفريق العامل المخصص المعني باتفاق باريس، ولجنة التكيف وفريق الخبراء المعني بأقل البلدان نمواً واللجنة الدائمة المعنية بالتمويل والصندوق الأخضر للمناخ، والهيئة الفرعية للتنفيذ والهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية.
ما بعد مراكش
وعادة ما تكون مؤتمرات تغير المناخ في مقر سكريتاريا اتفاقية المناخ في بون، بمثابة حدث نصفي ما بين الاجتماع الاخير للدول الاطراف والاجتماع الذي سيليه، حيث يجري تقييم المقررات ومدى تنفيذها. وعقد آخر مؤتمر للأمم المتحدة حول المناخ في الفترة من 7 إلى 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 في مراكش بالمغرب، وشمل هذا المؤتمر الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في اتفاق باريس. واعتمدت الأطراف 35 مقررا، تتعلق عدة منها ببرنامج العمل بموجب اتفاق باريس، بما في ذلك الاتفاق على أن هذا العمل ينبغي أن
ينتهي بحلول عام 2018، وأن يخدم صندوق التكيف اتفاق باريس، واختصاصات لجنة باريس المعنية ببناء القدرات، والبدء في عملية لتحديد المعلومات التي يتعين تقديمها وفقا للمادة 9-5 من الاتفاق (البلاغات المالية لفترة السنتين من جانب الدول المتقدمة). واعتمد مؤتمر مراكش أيضا قرارات تتعلق بتنفيذ الاتفاقية، بما في ذلك الموافقة على خطة العمل الخمسية لآلية وارسو الدولية وتعزيز آلية التكنولوجيا، ومواصلة وتعزيز برنامج عمل ليما بشأن النوع الاجتماعي. وتعقد الدورة الـ 23 لمؤتمر الاطراف في الفترة من 6 إلى 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 في بون ايضاً، برئاسة فيجي، وذلك بعد ان تعذر اقامتها في هذا البلد الذي يمر بظروف استثنائية لا تمكنه من استضافة هذا الحدث.
“نغمات متعددة”
وتحدث مراقبون في مؤتمر بون المنعقد حالياً عن أن أعضاء الوفود قد أدركوا الموقف الصعب للأطراف في المشاركة في المفاوضات بطريقة بناءة وودية، رغم تصاعد المخاوف بشأن التوازن غير المتكافئ للتقدم المحرز في جميع بنود جدول الأعمال، والتي أشار إليها جو تيندال الرئيس المشارك للفريق العامل المخصص المعني باتفاق باريس، قائلا إن رؤساء الهيئة الفرعية للتنفيذ، والهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية، والفريق العامل المخصص المعني باتفاق باريس هم إعادة تجسيد لفرقة “اتجاه واحد”. وبالنظر إلى العمل المعقد الذي يجب القيام به، قال أحد أعضاء الوفود ذوي الخبرة أننا قد نضطر إلى أن ندرك أن الفرقة تعزف “نغمات متعددة”.
وطالب العديد من مندوبي البلدان النامية التركيز على “تعزيز تطوير التكنولوجيا ونقلها، وإدراج مهام جديدة أو محدثة لزيادة الطموح، والأدوار التي تقوم بها الجهات المعنية في مختلف مراحل دورة التكنولوجيا”. وفي ما يتعلق بالتقييم الدوري لاآلية التكنولوجيا، دعت عدة بلدان متقدمة إلى جعل العنصر التحويلي أكثر وضوحاً، وإلى إدراج التقارير التي تقدمها الأطراف كل سنتين والمعلومات المتاحة من الجهات المعنية في مصادر التقييم. في حين شددت مجموعة من البلدان النامية على أنه لا ينبغي تقييم الآلية فحسب، بل ينبغي كذلك تقييم أوجه الترابط بينها
وبين الآلية المالية والجهات المعنية بالقطاع الخاص.
السعودية نشطة… ولكن
وقدمت سارة باعشن مندوبة السعودية، والتي تتولى رئاسة اللجنة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية مشروع مذكرة، تتضمن خطوات مقترحة بشأن أربع من المسائل التالية: تمكين منتدى تدابير الاستجابة من خدمة اتفاق باريس، الاعتراف بجهود التكيف التي تبذلها البلدان النامية والإرشادات (الأولية) المقدمة من مؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في اتفاق باريس إلى صندوق المناخ الأخضر ومرفق البيئة العالمية، وصندوق أقل البلدان نموا والصندوق الخاص بتغير المناخ.
وتشارك السعودية بنشاط فاعل في مفاوضات المناخ، لكن موقفها المدافع دائماً عن الوقود الاحفوري ينعكس بشكل جلي على اجواء المفاوضات، خصوصاً مواقف بقية الدول العربية الأكثر تأثراً بتغير المناخ والتي لا تنتج نفطاً. وتعتمد السعودية اسلوبا في التفاض يقوم على مبدأ التكاتف ضمن مجموعة الدول النامية، والتمترس حول ما سمي تاريخياً بالمسؤولية التاريخية للدول المتقدمة عن تغير المناخ، لكن هذا الاسلوب من التفاوض لم ينجح في وقف عجلة تقدم المفاوضات بعد التغير الجذري في الموقف الصيني بعد مؤتمر كوبنهاغن عام 2009، وفي ظل تخلي الولايات الأميركية عن تنفيذ تعهداتها في ما يتعلق باتفاق باريس، فإن الصين تتصدر المشهد في مفاوضات تغير المناخ، منذ الاسبوع الثاني لقمة المناخ الاخيرة في مراكش في المغرب والتي تزامنت مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية.
الجميع ينتظر موقف ترامب
وبانتظار موقف ترامب النهائي من اتفاقية باريس المفترض ان يعلن عنه نهاية الشهر الجاري، يتصاعد الشعار المتفائل بأن “لا شيء سيوقف عجلة اتفاقية باريس”. ومعلوم ان ترامب
اطلق سلسلة من المواقف المشككة بتغير المناخ، وقدم تعهدات غير مسبوقة لقطاع استخراج وصناعة النفط حول استمرار الاستثمار في هذا القطاع، رغم ان اتفاقية باريس تنص صراحة على ضرورة وقف هذه الاستثمارات في مهلة اقصاها نهاية العام 2020، وذلك لضمان الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية “أقل بكثير من درجتين مئويتين” مقارنة بعصور ما قبل الصناعة (1880 _ 1899). وبغية ذلك، وضعت الدول هدفاً نصب أعينها يتمثل في خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 50 بالمئة بحلول عام 2050 و 100 بالمئة بحلول عام 2100، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون الوقف الكامل لاستخدام الوقود الاحفوري.
وعلى الرغم من وجود الحماس التفاوضي في مؤتمر بون، ومع تبقي بضعة أيام فقط في الأسبوع الثاني لانعقاد المؤتمر، اشار أحد أعضاء الوفود إلى قلقه من أن “عدم وجود اتفاق على الاستنتاجات يعني عدم وجود استنتاجات”. وأدت المقترحات المقدمة لتأجيل بعض الأعمال الفنية للدورة الثامنة والأربعين للجنة الفرعية للتنفيذ التي ستنعقد في في عام 2018 إلى تعجب العديد من الأطراف، حيث أشار أحد أعضاء الوفود “إن هذا الحل يطيل من عجزنا عن معالجة القضايا المطروحة”.
ومعلوم ان الاستجابة الدولية السياسية لتغير المناخ بدأت بتبني اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992، وقد وضعت هذه الاتفاقية اطار العمل الذي يهدف إلى تثبيت مستوى غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وذلك بهدف تجنب “التدخلات الخطيرة الناشئة عن أنشطة بشرية”. وقد وصل عدد الأطراف الموقعة على الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في 21 مارس (آذار) 1994 إلى 197 طرفا.
مسار الاتفاقيات الدولية
وفي كانون الأول (ديسمبر) 1997 اعتمد مؤتمر الأطراف في دورته الثالثة بروتوكول كيوتو لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الذي بموجبه التزمت الدول الصناعية والدول في مرحلة التحول لاقتصاديات السوق بتحقيق أهداف تخفيض الانبعاثات. وقد وافقت هذه الدول
المعروفة باسم الاطراف المدرجة في المرفق الأول للاتفاقية الاطارية، على تخفيض اجمالي انبعاثات ستة من غازات الدفيئة بمتوسط 5 بالمئة دون مستويات 1990 في الفترة من 2008-2012 (فترة الالتزام الأولى) وبأهداف محددة تختلف من دولة لأخرى. هذا وقد دخل بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ في 16 شباط (فبراير) 2005 ووقع عليه الآن 192 طرفا. وفي كانون الاول (ديسمبر) عام 2015 ، اتفق مؤتمر الأطراف في دورته الحادية والعشرين التي عُقدت في باريس – فرنسا على اتفاق باريس الذي ينص على أن الدول ستقدم المساهمات المحددة وطنيا والمتزايدة بصورة تدريجية، وأن يتم مراجعة التقدم الكلي في التخفيف والتكيف وسُبُل التنفيذ كل خمس سنوات في عملية التقييم العالمي. دخل اتفاق باريس حيز التنفيذ في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، واعتباراً من 7 أيار (مايو) 2017 صدق عليه 144 طرفا من أصل 195 من الأطراف الموقعة على الاتفاق.
الحفاظ على درجة حرارة الأرض شبه مستحيل
وتركز التقارير العلمية على ضرورة أن تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها عام 2015، وتعود مستوياتها عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، ومن ثم تعود وتنخفض بنسبة 80 بالمئة من هذا المعدل عام 2050. وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، أن مستوى تركيز الغازات المسببة لمفعول الدفيئة بلغ معدلات قياسية جديدة في العام 2016. وأن تركيز ثاني أوكسيد الكربون ارتفع بواقع 397.7 جزءا في المليون في الغلاف الجوي في العام 2013. وفي النصف الشمالي من الكرة الأرضية، تخطت مستويات تركيز ثاني أوكسيد الكربون عتبة الـ 400 جزء في المليون خلال فصل الربيع، وهي الفترة التي تكون فيها كميات هذا الغاز هي الأكبر. ويقول خبراء المناخ إنه بات من شبه المستحيل الحفاظ على درجة حرارة الأرض، فالوقوف عند ارتفاع يصل في حدّه الأقصى إلى درجتين مئويتين، يتطلب إعادة تركيز الغازات الدفيئة على ما يعادل 350 جزءاً في المليون من ثاني أوكسيد الكربون، وهو هدف فشلت حتى اللحظة جميع السيناريوهات التي تطرح داخل أروقة الأمم المتحدة، بما فيها نص اتفاقية باريس، في
الوصول اليه.