يمتاز لبنان بواقعه المائي الغني، فطبيعته المناخية وفصوله المتعددة تزوّده بكمية جيّدة من المتساقطات، الأمر الذي يوفر له مخزونا مائيا هائلا من ينابيع وأنهار، تنعكس بشكل مباشر على التنّوع البيولوجي والثروة السمكية الموجودة فيه.
وفي هذا السياق خصّ الدكتور غسان الزين، من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية – بيولوجيا وتربية الأسماك، موقع greenarea.info بدراسة عن “واقع الثروة السمكية في الأنهار اللبنانيّة وفي حوض الحاصباني”.
الوضع المائي في لبنان
تغلب على لبنان صفة البلد الجبلي ويمتاز بشتاء قصير مع هطول أمطار كثيرة وصيف جاف طويل، وفصول إنتقالية قصيرة جداً مع كثرة الأيام المشمسة.
تشتد غزارة الأمطار في المناطق الساحلية، وفي السفوح الغربية للمرتفعات الجبلية، وكلما زاد الإرتفاع عن سطح البحر.
يعتبر لبنان من البلدان المقبولة بالموارد المائية، تشهد على ذلك أنهاره وينابيعه. فارتفاع جباله جعله يستأثر بنصيب كبير من مياه الأمطار خلال فصل الشتاء، وطبيعة أرضه المسامية تساعد على تخزين قسم كبير من مياه الأمطار والثلوج الذائبة في جوف الأرض.
في لبنان 15 نهرا دائما و23 نهرا موسميا، من أصل الـ 15 هناك 12 نهراً ساحلياً و3 أنهر داخلية.
الأنهر الداخلية هي:
– نهر الليطاني يجري في البقاع الجنوبي ويخترق جبل لبنان ليصب في البحر المتوسط شمال صور.
– نهر العاصي يخترق الحدود السورية نحو الشمال.
– نهر الحاصباني يخترق الحدود الفلسطينية، وهو رافد هام من حوض نهر الأردن.
في ما خص الأراضي الرطبة والمياه الراكدة، فقد اختفت حالياً مياه بعض المستنقعات، وجفت البرك الطبيعية بقصد استصلاحها للزراعة. إن إستعمال المضخات بكثافة في سحب المياه الجوفية، وفتح أقنية للتجفيف أدى إلى تقلص مساحات واسعة من هذه المستنقعات التي كانت موائل طبيعية، للكثير من الأحياء المائية ومنها الأسماك.
في المقابل يوجد بعض البرك والبحيرات الإصطناعية، التي أنشئت لتخزين المياه للإستفادة منها، لأغراض متعددة. أكبر هذه البحيرات هي بحيرة القرعون، وسعتها 220 مليون م3، أما الباقي فهي أصغر حجماً وتستعمل خاصة للري.
خصائص النظم الحياتية في المياه العذبة في لبنان
إن لبنان بعد توقيعه على إتفاقية التنوع البيولوجي، والتي أقرت بموجب القانون رقم 360، الصادر بتاريخ 1/8/1994، قد أعد تطبيقاً لهذه الإتفاقية دراسة وطنية للتنوع البيولوجي، وذلك بتمويل من المرفق الدولي للبيئة وبمساعدة برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
إن هذه الدراسة التي أنجزتها وزارة الزراعة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، عن التنوع البيولوجي في لبنان خلال سنة 1996 (وهي أشمل دراسة متوفرة حتى اليوم)، أظهرت ان مجموع انواع الكائنات الحية في لبنان بلغ 9119 نوعاً، منها 4633 نوعاً نباتياً و4486 نوعاً حيوانياً. وهي لا تشكل إلا قسماً من الثروة الطبيعية التي تعيش في بلدنا.
وقد ظهر أن نظم المياه العذبة تضم 987 نوعاً من الحيوانات، تؤلف عديمات الفقرات 656 نوعاً منها، والأسماك 60 نوعاً.
إذا أخذنا أسماك المياه العذبة في لبنان، يتبين لنا أن من بين 60 نوعا هناك 25 نوعا موجود حتماً في مياهنا بينما هنالك 34 نوعاً مشكوك اليوم في وجوده. ونوع الفوكسينل المتفرد الوحيد في لبنان، ويعيش في نهر الليطاني، في اليمونة وفي عميق.
الثروة السمكية في نهر الحاصباني
إن نهر الحاصباني الذي يحتل أهمية خاصة بين الأنهر اللبنانية، أحصي فيه وجود لـ 5 أنواع من الأسماك، تعيش في مياهه مع وجود حتمي لـ 3 أنواع منها، ووجود محتمل لنوعين، وهي موزعة على 4 فصائل، بما فيها الأنواع المحلية والأنواع الدخيلة.
من بين هذه الأنواع الـ 5 يوجد 3 أنواع دخيلة، وهي سمكة الترويت قوس القزح، سمكة الكارب وسمكة المشط. هذه الأنواع تشتهر بإمكانية تربيتها المكثفة في المزارع، وقد لاقى هذا القطاع رواجاً منقطع النظير في البقاع، خصوصا مع سمكة الترويت رغم أن أساليب التربية المتبعة لا تزال الى حد ما بدائية.
وبينما يمكن لسمك الكارب والمشط ان يتأقلم في مياه الحاصباني بسهولة، فإن فصيلة السلمونيات ومنها الترويت لها متطلبات كبيرة، من الأوكسجين المنحل في الماء لا تقل عن 6 – 7 غ/لتر، وإلى درجات حرارة منخفضة على مدار العام تتراوح بين 9 و18 درجة مئوية (خصوصا وأنها فترة التكاثر تحتاج إلى درجة حرارة مياه لا تزيد عن 13 درجة مئوية)، وهذان الشرطان غير متوفران في نهر الحاصباني.
صون التنوع البيولوجي
إن أنواعاً مائية عدة اختفت، أو أنها عرضة لتهديدات قاسية ناتجة من هدم موائلها، وإن صون التنوع البيولوجي على صعد المخزون الجيني، والأنواع والنظم الإيكولوجية يتطلب حماية حقيقية لها. إن دراسة واقع الثروة في حوض الحاصباني تظهر أن أهالي المنطقة كانوا يمارسون صيد الأسماك في النهر كهواية رياضية، ثم كمهنة بحد ذاتها. لكن بسبب قلة أنواع الأسماك القابلة للإستهلاك وتضاؤل كمياتها، إلى جانب تعرضها لشتى أنواع التلوث العضوي والكيميائي تراجع هذا القطاع الهام.
قد لا يخفى على أحد أن النشاطات البشرية، تمثل التهديد الأخطر للتنوع البيولوجي في الأنهر اللبنانية. إن عدم تأمين التوازن بين الحاجات البشرية وإستغلال الموارد الطبيعية، يؤدي إلى تدهور البيئة المائية لهذه الأنظمة بشكل لا رجوع فيه. والتغيرات التي تلحق بالينابيع ومجاري المياه وبالمياه الجوفية، من شأنها إضعاف المجموعات الحياتية في المياه العذبة.
هذه التغيرات تظهر نتائجها أولاً باختفاء أنواع لا تتحمل كثيراً تغيير العوامل الإيكولوجية التلوثية، ولا سيما منها تلك التي تحتاج إلى كميات من الأوكسجين الذائب في المياه (مثل سمك الترويت)، وثانياً إرتفاع أعداد الأنواع التي تتحمل تأثير العوامل الإيكولوجية التلوثية.
إن اعتماد سياسة بيئية واضحة لإقامة توازن بين حاجات السكان، واستغلال الموارد المائية قد يخفف في هدم البيئة، وبالتالي يحمي التنوع البيولوجي، وإن العناصر الأساسية لهذه السياسة تتلخص بوقف التعديات على الأنهر والينابيع والمياه الجوفية والشواطئ الذي يحد من فرص تلوث المياه.
المراجع العلمية:
- EL ZEIN : “La biodiversité au LIBAN. Faune et flore aquatique. Les vertébrés.” dans Etude Nationale sur la Biodiversité au LIBAN. Projet : GF/6105-92-72 1996. Publications du Ministère de l’Agriculture et du PNUE.
“Stratégie et Plan d’action pour la Conservation de la Biodiversité au Liban”. Projet UNDP/LEB/97/G31/A/1G/99, 1998. PNUD et du Ministère de l’Environnement
- EL ZEIN, M. ABI ANTOUN : “La biodiversité au Liban – La vie aquatique”, Environment, Revue du Ministère de l’Environnement, 2, 1998, pp. 14-16.
- EL ZEIN : “Développement actuel de la pêche et l’aquaculture au Liban”, La Pisci. Franç., 130, 1997, pp.13-27.