يحتفل العالم، في 22 أيار- مايو من كل عام، باليوم العالمي للتنوّع البيولوجي، وبينما لا يدرك غالبية الناس المعنى الأساسي لهذا المفهوم، إلّا أنه يحمل بين حروفه حياة الإنسان، صحته، مستقبله، ونهايته. فبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، إن التنوّع البيولوجي هو الذي يدعم الحياة على كوكب الأرض، ويعني التنوّع الموجود في الكائنات الحية والذي يتراوح بين التركيب الجيني للنباتات والحيوانات وبين التنوّع الثقافي.
رغم أن البشر يعتمدون على التنوّع البيولوجي في حياتهم اليومية، إلّا أنهم للأسف لا يدركون ذلك، واستمراريتهم بالتالي تعتمد على خدمات النظام الإيكولوجي المهدّدة بالإضمحلال، وأهمها المياه العذبة، والغذاء ومصادر الوقود ..
وبينما يسمح موقع لبنان الجغرافي وجباله والتنوّع الكبير في ظروفه المناخية إلى خلق تنوّع بيولوجي فريد، إلّا أن النظم البيئية قد شهدت تحوّلات كبيرة في السنوات الأخيرة، بسبب التغيّر المناخي من جهة والأنشطة البشرية من جهة أخرى.
قدّر البنك الدولي كلفة التدهور البيئي المتعلّق بالأرض والحياة البريّة في لبنان، بمئة مليون دولار سنوياً، فماذا عن الكلفة المعنوية من غطاء حرجي، مصادر طاقة ومياه، فضلاً عن الحياة النباتية والحيوانية؟
مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في جامعة البلمند، الدكتور جورج متري، أطلق في حديث لـ greenarea صفّارة إنذار مدوّية، علّ الجهود تتضافر لحماية “ما تبقّى من تنوّع بيولوجي في لبنان” .
تراجع الغطاء الحرجي بوتيرة سريعة هي المشكلة الأساسية التي يتعرّض لها لبنان بالدرجة الأولى، أما الأسباب فعديدة بحسب متري ” بدءاً بالحرائق، مروراً بالتمدّد العمراني، ألمقالع والكسّارات ووصولاً إلى شقّ الطرقات.”
في هذا الإطار، يشير متري إلى أن ” شق الطرقات من المشاريع الكبيرة التي تشكّل سبباً رئيسياً لانحدار قيمة الغطاء الحرجي، لأنها تفصل الغابة عن بعضها وتشكّل ما يسمّى “الجزر الحرجية” التي لن تصبح فعّالة في حماية التنوّع البيولوجي فيها مهما اختلفت أنواعه بين نبات أو حيوان.”
حرائق الغابات التي تقضي على مساحات شاسعة سنوياً، ترتفع نسبتها دورياً، وقد قدّر تقرير، أصدرته جامعة البلمند بالتعاون مع وزارة البيئة، مساحة الغابات التي اشتعلت في العام 2016 بـ 1800 هكتار.
يعلّق متري قائلاً: ” تعتبر تلك المساحات موائل مهمة للحيوانات ومناطق نباتية مثمرة، وبسبب عوامل عدة، فإن نسبة الحرائق ترتفع سنوياً، وباتت تطال غابات لم تكن معرّضة سابقاً. فضلاً عن تكرارها في منطقة محددة لأكثر من مرة في فترة قصيرة (10 الى 15 سنة)، الأمر الذي يخفّف من قدرة الغابات على تجديد أشجارها ونباتاتها، ويجعلنا نخسرها بشكل دراماتيكي.”
الغطاء الحرجي تهدده عوامل عدة، ومنها قطع الأشجار غير القانوني خصوصاً في المناطق الجردية البعيدة عن عين الرقابة، والتي باتت ضحية سهلة للقطع الجائر.
هذا الأمر لا يختلف بدوره عن الرعي الجائر، فيقول متري: ” تصرفات وأفعال كثيرة قد تضرّ بالغطاء الحرجي، ومنها الرعي في مناطق غير مخصّصة، وبشكل غير منظّم، الأمر الذي يحمل تداعيات على إيكولوجيا المنطقة على مرّ السنوات.”
يلعب الإنسان دوراً كبيراً بالتسبّب بالحرائق بنسبة 99%، كما أن صيد الطيور المحلية والمهاجرة، الصالحة للأكل وغيرالصالحة، تحوّل هواية الصيد إلى فعل إبادة يشوّه صورة لبنان عالمياً، بسبب صور التفاخر المتداولة عبر وسائل التواصل الإجتماعي والقنوات الإعلامية.
في هذا الإطار، ينبّه متري إلى ضرورة تطبيق القوانين بشكل فعلي، ومتابعة المراقبة والرصد إن كان في مجال الصيد أو في مجال حماية الغابات. وبينما بدأ العمل مبدئياً بقانون الصيد الجديد قبل إفتتاح الموسم، أشار في المقابل إلى أن قوانين الغابات الصادرة في الأربعينات، لم يطبّق أي بند منها. ورغم حاجتها للتحديث لمواكبة التغيّرات، إلا أن غياب التطبيق والمتابعة الإستقصائيّة، فضلاً عن معاقبة المخالفين بشكل جدّي.. كلها عوامل أدت إلى إضعاف قيمة القانون من جهة، وقيمة موارد التنوّع البيولوجي المتأذية من جهة أخرى.
من أسباب اندثار مظاهر التنوّع البيولوجي، لا بد من إلقاء اللوم أيضاً على التغيّر المناخي، فيفصّل متري السبب قائلاً: ” أدى التغيّر المناخي الى زيادة فترات الجفاف التي يمرّ بها البلد، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان أصناف من الحيوانات أو النبات التي لا إمكانية لها للتأقلم مع عوامل الجفاف لفترات طويلة. فضلاً عن ظهور أمراض وحشرات جديدة تساهم في القضاء على الأحراج بشكل مباشر وغير مباشر.”
باندثار موارد التنوّع البيولوجي، يخسر لبنان تميّزه وقيمته، وبالتالي، فإن المسؤولية في إهمال هذا الغنى يتوزّع على كافة أفراد ومؤسسات الدولة اللبنانية.
يتطرّق متري في هذا السياق، إلى المعاهدات الثلاث الأساسية التي وقّع عليها لبنان، أولها المعاهدة الدولية لتغيّر المناخ، تليها تلك المتعلّقة بالتنوّع البيولوجي، وآخرها لمكافحة التصحّر. واعتبر ان لبنان لو التزم فعلياً بما ورد في المعاهدات المذكورة، لا بدّ وأنه سيحقق قفزة نوعيّة بمحاربة كافة المشاكل البيئيّة، وبالتالي سيخفّف الضغوطات على الموارد الطبيعية ومن ضمنها التنوّع البيولوجي.
استطراداً، يشير الى تقصير في تطبيق استراتيجيات أقرّت في مجالات عدّة، وأهمها تلك الخاصة بمكافحة الحرائق المقرّة في مجلس الوزراء منذ العام 2009 دون تنفيذها بالشكل المطلوب. أما السبب برأي متري، فيعود إما الى غياب الإرادة أو الموارد، أو الإمكانيات التقنية واللوجستية وحتى المادية.
ويقول:” التعاون واجب وضروري بين الوزارات كافة، فلا يمكن أن تقتصر المسؤولية الحرجية على وزراة دون أخرى، بسبب نقص الكوادر البشرية. وبالتالي، فإن عمل الوزارات يجب أن يتقاطع مع البلديات، الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني.”
انطلق متري من هذا الكلام ليشدّد عل مسؤولية كل مواطن لبناني بجعل أمور البيئة من ضمن أولوياته لأنها أساس صحة المجتمع واقتصاده. وبالتالي، اعتبر أن الوعي أمر أساسي لتنمية هذه الاولوية بالمطالبة ببيئة نظيفة أولاً، برصد المخالفات والتبليغ عنها، فضلاً عن المشاركة في حلّها.. وذلك اذا أردنا بالفعل الحفاظ على ما تبقّى من الموارد الفريدة التي يتمتّع بها لبنان، والتي تميّزه، وتساءل: ” إذا خسرنا هذا الغنى، ما الذي سيميّز لبنان؟ ”
الأوبئة والأمراض باتت تنتشر بشكل كبير في مناطق عدة من لبنان، والأمر يرتبط ارتباطاً مباشراً بالحالة البيئية العامة للبلد، بدءاً من تلوّث الهواء، الى تلوّث الماء، ومن ثم الطعام.. واستمرار الوضع على ما هو عليه، سيؤدي بنا نحو الكارثة!
هذه الكارثة التي لا يمكن بحسب متري ان ننتظر مرحلة وصولها، يمكن تجنّبها عبر تنمية الثقافة والوعي اللازمين، مشدداً على واجب تخطّي عبارة “شو وقفت عليي”، لأن أصغر الأعمال هي أساس الأكبر منها، والتغيير الصغير يولّد الأكبر منه .
في مقابل تجنّب الكارثة، أشياء كثيرة أصبح وضعها كارثيّاً، خصوصاً “الخسارة التي لا تعوّض بقطاع الغابات والأحراج، بسبب السرعة الكبيرة بخسارة الموارد الباهظة.”
في هذا الإطار، يقول متري:” إن الخسائر الإقتصاديّة جرّاء الحرائق، هي أكبر بكثير من كلفة وسائل الوقاية، وبالتالي فإن المطلوب خطوات وقائية لأن كلفة العلاج مرتفعة.”
على أمل الوصول الى بيئة أفضل، شدّد متري في النهاية على ضرورة عدم فقدان الأمل، لأنه الدافع الوحيد للتغيير الإيجابي. داعياً الى تضافر الجهود بشكل قوي بين كافة مكوّنات المجتمع اللبناني للحفاظ على ميزة لبنان وتنوّعه البيولوجي.
Greenarea، من موقعه كوسيلة إعلامية، يلبّي نداء الطبيعة والبيئيين معاً، ويعد بأن لا يقطع الأمل وأن يكون مكبّر صوت البيئيين والمحافظين على الطبيعة في كل بقاع الوطن، علّنا بذلك يداً بيد نطمح للحفاظ على تنوّع البلد البيولوجي ومستقبل الأجيال في لبنان.