“أنقذونا… مياهنا ملوثة… هواؤنا ملوث” هي صرخة طفل، وليست شعارات رنانة ونداءات استغاثة عادية فحسب، هي صرخة وجع اطلقها هذا الطفل في اعتصام نفذه أبناء بر الياس وجوارها في البقاع، في هذه البلدة التي “لم يسلم فيها بيت من مرض السرطان”، والتي سجلت “ثلاث وفيات من اصل خمس بهذا المرض”، بحسب ما اكد رئيس بلديتها مواس عراجي لـ greenarea.info، وكان قد طالب المسؤولين عبر الاعلام، قائلا: “كفاكم قتلا لأبنائنا وشبابنا”، ناشد كلا من “رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة سعد الحريري الضغط على (مجلس الانماء والاعمار) لوضع محطة تكرير لمدينة زحلة”.

وقد عاود ابناء البلدة الاعتصام احتجاجا على التلوث والموت المجاني الذي يطاول أبناء بر الياس وجوارها في 20 أيار (مايو) 2017، ليتطور الأمر الى قطع الطريق الدولية عند مفترق بلدة المرج.

وعد بتشغيل محطة التكرير في زحلة

وتجدر الإشارة إلى أن 110 مليارات قيمة الاعتمادات التي أقرها مجلس النواب في تشرين الاول (أكتوبر) 2016 للمشاريع التي ستعتمد لحل ومعالجة مشكلة تلوث الليطاني، بالاضافة الى قرض بقيمة 55 مليون دولار اميركي، وها نحن اقتربنا من عتبة العام الثاني ولا زالت حالة الطوارئ مؤجلة، أما الكارثة فمستمرة، بانتظار أن تبصر الخطة التنفيذية لمعالجة التلوث النور، خصوصا بعد أن اصبح واضحا مدى تفاقم المعاناة، مع ازدياد اعداد المرضى، وارتفاع عدد الوفيات جراء التلوث وعوامل اخرى غير منفصلة عن الواقع العام لهذه المنطقة المنكوبة بما تواجه من تقاس وإهمال.

الصرخة والاعتصام أثمرا اجتماعا للجنة الوزارية المكلفة متابعة الليطاني، بحضور رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وخلص فيه المحتمعون إلى تحديد موعد اجتماع ثانٍ، ووعد بتشغيل محطة التكرير في زحلة خلال شهرين، فيما كلف الرئيس الحريري وزير الصحة والهيئة العليا للإغاثة متابعة موضوع تلوث بر الياس.

ارتفاع الاصابة بالسرطان

مديرو المدارس بر الياس، أوضحوا لـ greenarea.info اسباب تحركهم مع أهالي البلدة، وقال مدير إحدى المدارس: “بعد ان طلبت وزارة التربية من الصليب الاحمر اللبناني إجراء فحوصات لمياه الشفة المؤمنة للمدارس من خلال محطات تكرير وخزانات (تيتانيوم)، تبين أن هناك ارتفاعا كبيرا بالـ (إي كولاي) E. Coli يفوق المعدلات العادية”، لافتاً إلى أن “هذه البكتيريا غالبا ما تتواجد في الخضار وانابيب وخزانات المياه، ويرفع من نسب تكاثرها هو المكان المتواجدة فيه هذه الخزانات والانابيب بالقرب من نهر الليطاني الملوث بالصرف الصحي وغيره”.

وأضاف: “هذا الوضع أثار لدينا المزيد من المخاوف على صحتنا وصحة ابنائنا، وبحسب ما هو معروف، فإن ارتفاع نسب الـ (إي كولاي) E. Coli في جسم الانسان يسبب امراضا في المثانة وضعف المناعة، ويعود للاطباء تحديد مدى خطورتها”، وأشار إلى أن “لا برهان لدينا عن رابط مباشر بين ارتفاع الاصابة بالسرطان وتلوث نهر الليطاني، ولكن ما سجلته الفحوصات التي اجريت على مياه النهر اكدت انعدام او انخفاض نسبة الاوكسيجين فيها بشكل خطير، ما ادى الى تحويل مياه النهر الى محلول او مركب خطير”.

وأردف: “إن أخطر ما في الأمر وجود المعامل والمصانع على ضفاف النهر الممتد من بيت شاما الى زحلة، بعضها معامل مخللات (الكبيس) يتم التخلص من المياه الناجمة عنها عبر السواقي او المجاري التي تصب في الليطاني، ما يؤدي الى تفاعل البكتيريا مع الرواسب والقصب والنباتات التي تنتج عنها انبعاثات خطيرة وروائح كريهة تساهم في خنقنا وقتلنا يوميا، بالاضافة الى الصرف الصحي والدباغات، ومعامل اللحوم والدجاج المشهورة والمعروفة على صعيد لبنان التي تسلط مياهها الآسنة والدماء وبقايا ذبائحها على النهر مباشرة، مع العلم انه بحسب الأوراق الرسمية والقانونية لأحد المعامل ودراسات الاثر البيئي هو ملتزم بمحطة تكرير وشروط صحية، لكنها لا تطبق في الواقع، نعاني كل هذا منذ عشرين عاما، ولكن بعد أن وصلت اعداد الاصابات بالسرطان الى نسب لا يمكن غض النظر عنها، فخلال فترة اسبوع توفي شخصان مصابان بالمرض من بيت واحد، الاب والابن، وقد علمنا مؤخرا انه في بيت آخر من البلدة هناك اصابتان، ولا نزال على هذا المنوال لتطاول الاصابات معظم البيوت والعائلات في البلدة لتصل الاصابات تقريبا الى 600 اصابة”.

سنتوجه الى القضاء

كما طالب مديرو المدارس عبر greenarea.info “العمل الجدي على وقف مصادر التلوث المعروفة مصادرها بالأسماء، فالى اليوم لم يتم الزام اي من المعامل والمصانع او البلديات بوقف التلويث، ونطالب بتشغيل محطة الصرف الصحي في زحلة والبدء بالعمل على المعالجة وفقا للأولويات”.

وقالوا: “اننا نخاطر بصحة تلامذتنا وحياتهم ان بقينا على هذه الحالة”، واضافوا انهم “يتجرعون الموت والمرض يوميا، ونحن كأبناء لهذه البلدة امام عدة خطوات سنسلك فيها الطرق القانونية مع بلديات السهل لإيصال صوتنا الى المسؤولين ليتحركوا باتجاه الحل سريعا، كما اننا سنطالب كل فرد او مسؤول بتحمل مسؤولياته وسنتوجه الى القضاء عبر محامين للادعاء باسم اهل البلدة وبلديتها، وكل الجمعيات المدنية على كل المسببين لهذا التلوث”.

وختموا بانه “ان لم يتم التجاوب مع مطالبنا لن نبقى راضخين لهذا الوقع وسنتجه نحو التصعيد بطرق مختلفة”.

ردم النهر

وأشار الناشط عبدالكريم حرب من بلدة المرج لـ greenarea.info إلى ان “الأهالي استقدموا امس جرافات وردموا مجرى الليطاني، احتجاجا على عدم ايجاد حلول سريعة لتلوث النهر، والذي تسبب بأمراض كارثية في البلدة والبلدات المجاورة، ما أثار موجة غضب عارمة لدى الاهالي”، ولفت إلى أن “الاهالي لم يتجاوبوا مع حضور نواب المنطقة عاصم عراجي وجمال الجراح، واعتبروا ان حضورهما هو بهدف كسب سياسي لعدم تجاوبهما سابقا ومماطلتهما بالوعود التي لم تثمر اي عمل فعلي”.

وأكد ابن بلدة بر الياس عمر الحشيمي أن “اهالي البلدة اعربوا عن غضبهم بردم النهر ثم عاودنا فتحه”، وقال: “لكن لا يمكن امتصاص غضب الاهالي لوقت طويل فتوجهاتهم واضحة نحو التصعيد، حاولنا التهدئة قدر الامكان، لكن لا يلام من فقد ابناءه ويفقدهم كل يوم بسبب المرض، فالتلوث مستمر لم يحرك المسؤولون ساكنا لجهة تبني خطوات سريعة وعملية”.

ولفت الحشيمي إلى أن “تشغيل محطة الصرف الصحي والتكرير في زحلة وتأمين الكهرباء لها لا يحتاج اكثر من يومين، مع العلم ان هناك معلومات عن تقديم ايطاليا مولدي كهرباء لتشغيلها ما يخفف عنا الضرر بنسبة كبيرة، من ناحية انبعاث الروائح على الاقل، ليصار بعدها الى معالجة الامور الاخرى”.

واضاف أن “هناك خطوات تحتاج ان تحزم الدولة امرها فيها، ولا تحتاج للوقت، لذلك ان لم يتم التحرك سريعا لن نستطيع ان نضبط اهالي المرج وبر الياس” .

قديح: محرقة بر الياس

وقال الخبير في مجال السموم ومستشار موقع greenarea.info: “ان وجود الـ (إي كولاي) E. Coli بالمياه يدل على تلوث ميكروبي يسبب امراضا معوية، عادة عند اجراء فحص للمياه نقوم بتحليل المؤشرين E-coli Escherichia coli و الـ Coliform bacteria، وفي حال وجود (إي كولاي) E. Coli فالاهمية تكمن في انها لا تتعلق بذاتها فقط، انما هي مؤشر يدل على تلوث المياه بالصرف الصحي، ويثبت وجود لائحة طويلة من الملوثات الاخرى البكتيرية والميكروبية والطفيليات وبيوضها والديدان التي هي عادة متواجدة في المياة المبتذلة، بالاضافة الى التلوث الكيميائي والتلوث العضوي الموجودين ايضا في الليطاني”.

وأضاف: “أما بالنسبة لافتقار المياه إلى الاوكسيجين، فهذا يدل على ارتفاع كبير بنسبة التلوث الكيميائي والعضوي، واستنزاف الاوكسيجين في المياه يعود لسبب استهلاكه خلال عمليات تفكك المواد العضوية وعمليات اكسدة المواد الكيميائية التي تنتج عنها روائح كريهة وانبعاثا لغازات سامة، وهذه الملوثات العضوية ليست المسبب للسرطان، فارتفاع نسب الاصابات بأمراض السرطان يعود لتضافر عدة اسباب منها تعرض الناس لمسببات هذا المرض من الملوثات الكيميائية والملوثات المعروفة بنشاطها المسرطن خلال فترة زمنية طويلة، من ضمن هذه الملوثات الموجودة – بحسب رأيي – هو ما ينتج عن مدابغ الجلود ويرمى في النهر كونها تستعمل موادا خطرة وسامة، ومنها مركبات الزرنيخ ومركبات الكروم ثلاثي التكافؤ المسرطنتين،والكروم سداسي التكافؤ ومركباته التيي تعتبر ايضا شديدة النشاط المسرطن، أضف الى ان المحرقة التي عملت لسنوات طويلة في بر الياس نتج عنها تلوثا ومركبات عضوية ثابتة ومسرطنة، انطلقت من المحرقة وانتشرت عبر الهواء الى التربة من ثم الى السلسة الغذائية”.

وتابع قديح: “ان الحرق العشوائي للنفايات ايضا هو من اهم مصادر انبعاث المركبات الكيميائية المسببة للسرطان والتي تعتبر مركبات كيميائية مستقرة تتميز بثلاث مواصفات:

-انها مركبات عالية السمية.

-عالية الاستقرار الكيميائي، اي انها تبقى مستقرة لسنوات طويلة (من 20 الى 30 عاما) بدون تفكك مع حفاظها على خصائصها السامة.

-لديها القدرة على التنقل من وسط الى وسط (من الهواء الى التربة الى المياه الى السلسلة الغذائية)، وبالتالي لديها القدرة على التراكم الحيوي في الانسجة الحيوانية والنباتية (مثال على ذلك اذا تغذت الابقار على عشب ملوث بالديوكسين او احد هذه المركبات التي تتراكم في جسمها وتلوث حليبها ولحمها، وبالتالي تنتقل الى غذائنا، وبالنسبة للاسماك فالتراكم والتركيز لهذه المركبات هو اكبر بكثير في المياه)”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This