كثر في السنوات الأخيرة استخدام مصطلح “تقنيات النانو” Nanotechnologies، و”مواد النانو” Nanomaterials، و”منتجات النانو” Nano products. ماذا تعني هذه المصطلحات، وهل دخلت منتجات تقنيات النانو بيوتنا وبتنا نستعملها دون أن نعرف ذلك؟ وما هي استخدامات مواد النانو؟
كلمة “نانو” هي درجة تصغير القياس تريليون مرة، أي مليون مليون مرة، أي باللغة الرياضية 12-10 أو 1/1000000000000. نقول نانوغرام أي جزء من تريليون من الغرام، ونقول نانومتر أي جزء من تريليون من المتر. ولنقارب هذا القياس بمخيلتنا علينا تخيل جزيئة قياسها حوالي 100 ألف مرة أصغر من قطر الشعرة.
تغزو مواد النانو عددا كبيرا جدا من القطاعات، وينتشر استعمالها في قطاعات جديدة يوما بعد يوم، وتظهر استخدامات جديدة لها في مختلف القطاعات الصناعية والطبية والعلاجية والتجميلية والصيدلانية، ونكاد نجدها أو نتوقع وجودها في كل مجالات الإنتاج والخدمات. وبالتأكيد غزت المواد التي نستعملها في بيوتنا أو في حياتنا اليومية. هناك موقع متخصص على الإنترنيت يشير إلى عدد منتجات النانو الموجودة حاليا في العالم، ويزيد هذا العدد مع كل منتج نانو جديد. يشير هذا الموقع اليوم، في 23 أيار (مايو) 2017، إلى وجود 3000 منتج نانو متوفرة تجاريا.
إستخدام تقنيات النانو في بعض المجالات أصبح معروفا بشكل واسع، مثل صناعة البطاريات والأجهزة الميكروإلكترونية والمواد الواقية من أشعة الشمس.
ماذا يقصد بمنتج تقنيات النانو؟ على ضوء معرفتنا بقياس النانو، يمكننا القول أن منتجات تقنية النانو هي منتجات تحتوي على جزيئات بقياس من 0.1 حتى 100 نانومتر.
فلاتر المياه التي نستعملها في مطبخنا، وهي معدة لإزالة البكتيريا والملوثات التي تعطي رائحة للمياه. تحتوي حشوة هذه الفلاتر على مسحوق الفحم المنشط، وعلى جزيئات الفضة النانوية. مسحوق الفحم المنشط يؤمن مساحة نشيطة كبيرة جدا تكسب جزيئاته قدرة على “إدمصاص” Adsorption الملوثات الكيميائية، أي اجتذابها لتلتصق على سطح جزيئات الفحم المنشَّط. ويسمى منشَّطا لأن جزيئات الفحم تصبح عالية النشاط “الإدمصاصي” عندما نعرضها لدرجة حرارة عالية (حوالي 600 درجة مئوية) لمدة 3 ساعات. “الإدمصاص” Adsorption هو عملية انجذاب جزيئات المواد إلى سطح جسيمة من مادة أخرى، وتسمى هذه العملية هكذا لتمييزها عن عملية “الإمتصاص” Absorption التي تعني تسلل جزيئات المواد إلى داخل جسم مادة أخرى. عندما نطحن الفحم إلى جزيئات صغيرة جدا تصبح المساحة النشيطة لمجموع هذه الجزيئات كبيرة جدا، مما يخلق فراغات بينها تجتذب جزيئات الملوثات الموجوة في المياه لتدخل إليها وتعلق بها. وهكذا تتم عملية إزالتها من المياه. أما الجزيئات النانوية للفضة فتلعب دورا كبيرا في إزالة البكتيريا من المياه. إن الخصائص المضادة للبكتيريا التي يتمتع بها معدن الفضة معروفة منذ زمن بعيد، ولذلك نجد أن فعالية الجزيئات النانوية للفضة عالية جدا. ولهذا نرى أن الفضة يدخل بشكل واسع في صناعة المواد النانوية.
الجزيئة النانوية للفضة تقتل البكتيريا والطحالب عبر دخول ذرات الفضة المنفردة إلى داخل جسم الخلية مخترقة جدارها حيث تقوم بقتلها. ولذلك تجد جزيئات الفضة النانوية استعمالات واسعة في طلاء سكاكين المطبخ، والمساحات المعدنية المكشوفة، والثلاجات، ومقابض الأبواب، وفي كل الأماكن حيث نسعى لتخفيف وجود الميكروبات.
هناك مواد نانوية أخرى تصنع لكي تكسب المنتجات ميزة مقاومة الحرارة وسهولة التنظيف، مثل أرضيات الغرف وطلاءات السطوح. عندما نقوم بطلاء سطح ما بجزيئات نانوية من ثاني أوكسيد السيليكون Silicon dioxide، أو ثاني أوكسيد التيتانيوم Titanium dioxide، يكتسب هذا السطح خاصية صد الماء، التي تمنع ظهور البقع. طبقة الطلاء تكون رقيقة جدا بحيث لا ترى. وهذه المواد هي أيضا موصل سيء جدا للحرارة، وبالتالي تكون المنتجات مقاومة للحرارة.
بعض أنواع مواد التنظيف تحتوي على جزئيات النانو، بحيث تكوِّن كرات جوفاء متناهية الصغر، ومركزها مكوَّن من مواد كيميائية مثل الشحوم والزيوت والدهون، وهي بالضبط المواد التي نريد إزالتها اثناء تنظيف وجلي أدوات المطبخ. يقوم مستحضر التنظيف المحتوي على جزيئات نانوية من هذا النوع بالتقاط الشحوم والزيوت والدهون في تجويف كراتها، وهكذا تنفصل عن المياه ويتم تنظيف الأواني.
تستعمل خصائص بعض أنواع الجزيئات النانوية في الصناعة الصيدلانية بحيث تساعد على إيصال المادة النشيطة للدواء إلى أماكن محددة من الجسم، وهذا ما يساعد على فعالية علاجية أكبر بكثير.
منتجات تقنيات النانو أصبحت في بيوتنا، ونحن لا نعرف ذلك، حيث هي لا ترى بالعين، بل تظهر بخصائصها الوظيفية في كثير من مجالات استعمالاتها.