شكّل دخول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب القصر الأبيض، تخوّفات عديدة لدى مختلف بلدان العالم وداخل المجتمع الأميركي وكذلك في العالمين العربي والإسلامي، والسبب قراراته “غير المدروسة” كما يصفها البعض.
لم يكن تبوّأه مركز الرئاسة باكورة التخوّفات، بل تلك الأخيرة بدأت في مطلع إعلانه لترشّحه إلى رئاسة الجمهورية، وتراكمت في ظل خطاباته المتتالية التي غذّت تعصّبه ضدّ الإنسان المتميّز عنه وضد البيئة.
رغم التحفّظات المسجّلة على بعض القرارات، إلا أن ما يهمّ موقعنا هو الاتفاقيات البيئية التي هدّد ترامب بضربها عرض الحائط نظراً لعبارته الشهيرة ” ألتغيّر المناخي بدعة اخترعها الإنسان”.
منذ كانون الثاني – يناير، تاريخ تسلّمه الحكم رسمياً، وتهديدات ترامب في هذا المجال لا تراجع عنها، ورغم التظاهرات الكبيرة التي قيدت ضدّه من أبناء شعبه، ورغم المناشدات العالميّة، إلا أن ترامب يمشي في اتجاه واحد ضدّ البيئة بخطوة ملك!
فقد حذّر مئات كبار العلماء من تعهّد ترامب إنسحاب الولايات المتحدة من إتفاقية باريس للمناخ، وقال 375 عضوا في الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم، بينهم 30 من الفائزين بجوائز نوبل، في خطاب مفتوح أن خروج الولايات المتحدة من الإتفاقية سيزيد من صعوبة تطوير استراتيجيات لتقليل تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة في العالم.
دعماً لتلك التحذيرات، تظاهر الآلاف من العلماء والناشطين البيئيين في مختلف دول العالم ضد قرارات ترامب وتهديداته المستمرة، والتي يرون فيها تهديداً خطيراً على قطاع العلوم والبحوث والبيئة.
رغم كل ذلك، وهو “واثق الخطوة يمشي ملكاً” باستمرار، دون أن يرفّ له جفناً، رغم ما يمكن اعتباره “مسايرة” لبعض المسؤولين، مجهولة النوايا والأهداف.
وفي فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة في بون الألمانية، لمناقشة سبل تطبيق اتفاقية باريس، ناشدت الحكومة الألمانية أميركا عدم الخروج من الاتفاقية. في حين طلب ترامب فترة أسبوعين لاتخاذ قرار حول هذا الموضوع.
وما زال الأمر متأرجحاً بين الإيجابية والسلبية، وبالتالي ما زالت الآمال معلٌّقة إلى حين انتهاء اجتماع الدول السبع الصناعية الكبرى في نهاية أيار- مايو في إيطاليا، علماً بأن جلسات بون اختتمت في 18 من الشهر الجاري.
بالإنتظار، تجري تكهّنات حول احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق في أروقة مركز المؤتمرات الدولي في بون، وقالت إيفون سلينجنبرغ ممثلة الاتحاد الأوروبي: “ننتظر جميعاً القرار النهائي الذي سيصدر عن الإدارة الأميركية.”
رغم ذلك، لا يأمل بعض العلماء خيراً ببقاء الولايات المتحدة في اتفاقية محاربة تغيّر المناخ، بسبب عدم الرغبة المجاهر بها عالمياً من جهة، الأمر الذي قد يدعو إلى غياب الجدّية المطلوبة في المعالجة، والتخفيف من آثار تغيّر المناخ، خصوصاً في ظل المدافعة الشديدة للرئيس الأميركي عن مصادر الطاقة الأحفورية، من جهة أخرى.
بين الإنتظار والتخوّفات، يبدو أن الضغوطات على الرئيس الأميركي لم تقتصر على البيئيين، بل أن بابا روما، البابا فرنسيس، وخلال استقباله لترامب في مقرّه في الفاتيكان، فاجأه بهديّتين قد تشكّلان صفعة له مقابل الأخرى المقدّمة من ترامب !
فقد حثّ البابا فرنسيس الرئيس الأميركي على أن يكون صانع سلام وقدّم له منحوتاً صغيراً على شكل شجرة زيتون، رمز السلام، كما قدّم له نسخة موقّعة من رسالته في يوم السلام العالمي الماضي وكذلك ثلاثة من كتاباته الرئيسية، منها رسالته البابوية عام 2015 عن أهمية حماية البيئة.
رسالة البابا فرانسيس، لخّصت بشكل كبير واقع البيئة المذري في العالم، وتقديمها هديّة لترامب ما هي إلا نقد لأفكار الرئيس الأميركي ضد البيئة، ودعوة من البابا لتغييرها.
ويجمع محللو أفكار ترامب ونفسيته على ميله إلى التعبير عن رأيه حول من التقاه مؤخراً، وتساءلوا هل يمكن للمقالة المناخية للبابا أن يكون لها تأثير دائم؟
يذكر أن البابا في رسالته، أشار إلى ” أن التغيّر المناخي وارتفاع نسبة النفايات واستهلاك الموارد، قد تجاوزت قدرة الكوكب وبالتالي فإن الكارثة مقبلة. قد نكون قد تركنا للأجيال القادمة الحطام والخراب والقذارة”. واعتبر أن السبب الحقيقي للمشكلة هو رغبة غير محددة في استهلاك أكثر مما هو ضروري حقا بعيداً من الثقافة .
رغم إشادته بالجهود التي يبذلها العلماء لإيجاد حلول للمشكلات البيئية، إلا أنه أشار إلى أن” نظرة رصينة على عالمنا تظهر أن درجة التدخل الإنساني في كثير من الأحيان لخدمة المصالح التجارية والاستهلاكية تجعل أرضنا أقلّ ثراءاً وجمالاً”.
ترامب، في ختام الزيارة، أهدى البابا بدوره مجموعة مغلّفة من الطبعة الأولى لخمسة كتب لزعيم الحقوق المدنية الأميركي مارتن لوثر كينج، إلا أن الأهم وعده له بعدم نسيان رسالته عن السلام مشدداّ على أنه “بوسعنا أن نستفيد من السلام”.
حمّل البابا في رسالته الدول الصناعية مسؤولية التغيّر المناخي، وبالتالي المسؤولية الأكبر لتوفير الحل مشدداّ على “أن البشر، قادرون على الأسوأ، ولكنهم قادرون أيضا على الارتقاء بأنفسهم، يختارون مرة أخرى ما هو جيد، ويبدأون بداية جديدة، بالرغم من تكيفّهم العقلي والاجتماعي”.
ربما إغفال ترامب أن العلاقة بين السلام والبيئة هي علاقة متداخلة، فهل تغيّر رسالة البابا من قناعاته؟