لم تولِ الحكومات المتعاقبة بعد الحرب أي اهتمام لموضوع الصرف الصحي، وتركزت الأولويات على إعادة الإعمار، ولما بدأت تلحظ خطورة هذه المشكلة وتمهد لمعالجتها، اصطدمت بسوء التخطيط وضعف التمويل وغياب الرادع والمحاسبة، فضلا عن عدم استدراك عواقبها، فتحولت خطرا داهما يهدد صحة المواطنين، ويطاول أيضا الامن الغذائي، خصوصا وأن ثمة استسهالا لجهة ري المزروعات من مياه الانهار الملوثة او حتى من المياه المبتذلة.

ولم تع الدولة منذ ما ينوف على العشرين سنة الى اليوم، أن ثمة حاجة ماسة لوضع خطة استراتيجية عاجلة وطارئة، خصوصا وأن المياه المبتذلة باتت المصدر الرئيسي لتلوث المياه الجوفية والسطحية والينابيع والأنهر وسائر المسطحات المائية.

 

من الليطاني إلى رشعين

 

فبعد مشكلة وفضيحة تلوث نهر الليطاني من المنبع إلى المصب، ها هو الآن نهر رشعين في شمال لبنان، يئن تحت وطأة التلوث، فالصرف الصحي للبلدات على امتداده تصب مباشرة فيه، فضلا عن زيبار الزيتون ومخلفات مصانع الالبان والاجبان، والمزارع وروث الحيوانات أيضا، وعلم greenarea.info أن “إتحاد بلديات زغرتا” كان قد تحدث عن تلزيم مشروع لمعالجة النهر، ولكن لا تفاصيل عن الموضوع، وليس ثمة خطة واضحة الى اليوم لمعالجة المشكلة القائمة، الأمر الذي بدأ يثير الشكوك حول جدية العمل، ومدى استعداد الدولة لمساعدة الاتحاد.

في هذا السياق وصل المرصد الأخضر التابع لـ “حزب الخضر اللبناني” بلاغ يؤكد تغير لون البرتقال في بساتين الليمون بالقرب من مصبات مجاري الصرف الصحي في النهر، حتى أن لون بعض ثمار البرتقال تحولت الى اللون البني، ما اثار مخاوف الاهالي من أن يكون هذا التغيير نتيجة التلوث.

 

زغرتا غدنا

 

الناشط في “جمعية زغرتا غدنا” بيار الدويهي أكد لـ greenarea.info انه “خلال جولة ميدانية تبين ان نسبة الضرر كبيرة في بساتين الزيتون، وقد اصطبغت تربتها بالأسود نتيجة تلونها بمياه الصرف الصحي، وكذلك الأمر في بساتين الليمون والمزروعات”، وأشار إلى أن “الاشجار الاقرب الى النهر هي الأكثر تضررا”.

وقال الدويهي: “لقد بدا ذلك واضحا من تبدل لون معظم ثمار الليمون الى البني الداكن، ويرجح ان هناك خطرا غير مرئي لا يمكن تبينه إلا من خلال إجراء تحاليل مخبرية للعينات”، واضاف: “اصبحنا نشهد ارتفاعا في الاصابات بأمراض السرطان والوفاة نتيجة انتشار هذا المرض، ولا احصاءات دقيقة الى الآن، ولكن من الواضح ان المرض اجتاح معظم العائلات بأرقام هائلة”، ولفت إلى أن “الفحوصات التي أجريت غير كافية، لذلك نطالب المعنيين بالتوجه لأخذ عينات ودراستها على امتداد النهر”.

وتابع الدويهي: “لم نر الى اليوم تحركا عمليا نحو المعالجة، وكل ما جنيناه مجرد وعود تتكرر منذ سنوات مع تكرار مطالبتنا بوقف التلوث ومعالجة المناطق المتضررة، وعلمنا أيضا بأنه تم تلزيم قسم من مشروع تمديد خط صرف صحي بمحاذاة النهر من قبل وزارة الطاقة والمياه لإحدى الشركات، ولم نحصل على اي معلومات عن المشروع، وقصدنا رئيس الاتحاد وهو أيضا ليس لديه تفاصيل في هذا المجال”.

ورأى “اننا بحاجة لخطة مدروسة وكاملة ترفع الضرر عن النهر بأكمله”، وقال: “سنستمر بمتابعة الموضوع وسنقوم بتنظيم وقفة احتجاجية قريبا ندعو فيها رؤساء البلديات الى حل مشكلة الصرف الصحي لبلداتها بالتعاون مع الوزارات المختصة”، واكد الدويهي على “ضرورة الزام جميع الملوثين برفع الضرر عن النهر ومتابعة الموضوع بجدية ومسؤولية من قبل الدولة”.

 

محافظ الشمال

 

محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا اكد بدوره لـ greenarea.info انه سيقوم “قريبا جدا بجولة ميدانية على النهر” تلبية لمناشدته من قبل الاهالى و”جمعية زغرتا غدنا”، لافتا إلى أنه سيطالب “باتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لوقف التعديات على النهر ومعالجته ورفع الضرر عنه”.

 

د. قديح: تراكيز عالية جدا من الكائنات الدقيقة المُمرضة

 

وللوقوف على ما هو قائم من وجهة نظر علمية حول اضرار المياه المبتذلة بشكل عام، التقينا الخبير البيئي في مجال علوم الكيمياء والسموم ومستشار موقعنا greenarea.info الدكتور ناجي قديح، فقال: “تتكون المياه المبتذلة من مكوِّنات مختلفة تتفاوت نسبها وتراكيزها من مجتمع إلى آخر. أهم هذه المكونات، المواد العضوية، المغذِّيات المحتوية على النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، والمواد غير العضوية من أملاح ومركبات معدنية ذائبة، ومن مواد كيميائية سامة، ومن أجسام دقيقة مُمْرِضَة (مسببة للأمراض)، من جراثيم بكتيرية وفيروسات، وكذلك طفيليات وديدان وبيوضها”.

وأشاف: “يُعَبَّر عن الملوثات العضوية بمؤشرين أساسيين، الطلب البيولوجي للأوكسجين BOD Biological Oxygen Demand، والطلب الكيميائي للأوكسجين Chemical Oxygen Demand COD، وبمؤشر المواد العالقة، ومستوى المغذيات، أي محتوى المركبات النيتروجينية والفوسفورية والبوتاسية. يتطلب الإستعمال الآمن للمياه المبتذلة في الزراعة معالجتها لجهة محتواها من التلوث الميكروبيولوجي، من كائنات دقيقة ممرضة وطفيليات وبيوض. تحتوي المياه المبتذلة الخام على تراكيز عالية جدا من الكائنات الدقيقة الممرضة، بكتيريا وفيروسات وطفيليات وبيض ديدان والكوليفورم الغائطية. وهي تسبب أمراضا للإنسان إذا ما تجاوزت مستويات محددة. تشكل الديدان الخيطية المِعَوِيَّة إحدى أهم مسبِّبات الأمراض المُعْدِيَة عند الإنسان”.

وأضاف قديح: “إن استعمال المياه المبتذلة دون معالجة يطرح العديد من المشاكل، فالتراكيز العالية للمغذيات من نيتروجين وفوسفور وبوتاسيوم تؤدي إلى نتائج عكسية، وكذلك، إن وجود الملوثات الكيميائية والمواد السامة للنباتات من شأنه أن يترافق بأخطار على الصحة البشرية. كما أن بعض العناصر والمركبات يمكنها أن تدخل السلسلة الغذائية عبر تراكمها في أنسجة النباتات، وكذلك في أنسجة الحيوانات التي تتغذى على هذه النباتات، مما يؤدي إلى تراكيز عالية جدا تهدد سلامة الإستهلاك البشري لهذه المحاصيل، وللحوم ومنتجات تلك الحيوانات. ومن جهة أخرى، إن كميات الأملاح الكبيرة في المياه المبتذلة يمكن أن تسبب ضررا للمحاصيل، وتخفف من إنتاج بعض المحاصيل الحساسة للإملاح، وخسائر إقتصادية”.

وختم قديح: “يعود تأثير المياه المبتذلة على الأراضي الزراعية بشكل رئيس إلى وجود تراكيز عالية من المغذيات النيتروجينية والفوسفورية، وكذلك إلى وجود كميات كبيرة من المواد الصلبة الذائبة من أملاح ومركبات معدنية، وكذلك لمحتوى عال من المعادن الثقيلة السامة، الكادميوم والرصاص والنحاس والزئبق. تتراكم هذه المواد في التربة فتضر المحاصيل، وتؤدي إلى إضعاف إنتاجية الأرض الزراعية وتدهور خصوبتها”.

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This