الحديث عن موضوع التقاعس المتعدد الإتجاهات في تطبيق قانون منع التدخين، إستهلك في السنتين الأخيرتين بشكل أظهر هذا التقاعس وكأنه أمر طبيعي اعتاد عليه اللبنانيون في قضايا تخصّ الصحة، البيئة والمواطن.
القانون 174، الصادر في أيلول – سبتمبر من العام 2012، يمنع التدخين في الأماكن العامّة والمغلقة، الشرطة السياحية باشرت بتسجيل محاضر الضبط، كان الحماس في حينها سيّد الموقف، ورغم اعتراض أصحاب المطاعم والمقاهي، بوشر تطبيقه بشكل صارم، إلا أنه، تماماً كأي قانون في لبنان، ما لبث أن سار خطواته الأولى حتى تعثّر طوعاً أو قسراً.
وفي حين تقع مسؤولية ضبط المخالفات وتحريرها على الشرطة السياحية، دائماً ما يتم التذرّع بغياب العدد اللازم لتغطية كافة الأراضي اللبنانية، و”بدل أن يكحّلوها .. أعموها”.
دامت “الهمروجة” بضعة أشهر، حمى بها المدعوم عمله، أخفى انتهاكه للقوانين، ودفع فيها من دفع، فاستفاد المرتشي.. نعم وللأسف هذه هي حال القوانين في بلادنا.
بتنا اليوم بغنى عن الرشوة أو الدعم، فحاميها حراميها والقانون ذهب مع الريح، واختفى مع التغيرات السياسية الحاصلة لتنطبق على القوانين في لبنان عبارة “بتمشي مع الماشي” .. ويبدو أن لا أحد “ماشي” في هذا البلد، ولا قانون يحكم… وأكبر دليل على ذلك عودة التدخين في الأماكن العامة المغلقة من جهة، وارتفاع عدد مستهلكي النرجيلة في المقلب الآخر .. ولا حياة لمن تنادي.
نستغرب هذا التقاعس فعلاً، فصحة المواطن اللبناني هي الأساس، وحكومتنا تغفل عن كل أساس!
ففي بريطانيا على سبيل المثال، بدأت السلطات تطبيق إجراءات جديدة تخص منتجات التدخين، من بينها بيع السجائر في علب ذات لون بني مائل للأخضر تحمل صورا واضحة للتحذيرات الصحية بخط أكبر بحيث تغطي ثلثي واجهة علبة السجارة وخلفيتها، وإلغاء بيع العلب الصغيرة المكونة من عشر سجائر .فرحّبت منظمات الدفاع عن الصحة بالتغييرات التي تهدف إلى ردع الشباب عن التدخين، وذلك وسط مواصلة انخفاض عدد المدخنين في بريطانيا. وقدّر باحثون من لندن وأكسفورد، انخفاض عدد المدخنين في المملكة المتحدة بسبب هذه الحملة بنحو 0.5 في المئة بحلول مايو/ أيار عام 2018.
بينما في لبنان، ورغم وجود تحذيرات واضحة على علب الدخان، إلا أن اللبناني وعلى سبيل المزاح ينتقي التحذير “الأهضم”!
وبينما يناط تطبيق القانون بكل من وزارة الداخلية، الإقتصاد، الصحة والسياحة، لم يرض وزير السياحة أوديس كيدانيان أن “يحرق” ما يخطّط له في وزارته ويفصح لـ GREENAREA عن خطة الوزراة لإعادة تفعيل القانون.
يبدو أنه يتّبع مقولة الرئيس نبيه بري الشهيرة ” ما تقول فول ليصير بالمكيول”! فعلى حدّ تعبيره، هو يعمل على “شيء” لن يفصح عنه تخوّفاً من إفشاله قبل المباشرة به، مشيراً إلى أن اللبناني اعتاد أن يقصف جبهة الطروحات قبل أن يتبيّن أبيضها من أسودها …
رغم “تشاطرنا” عليه – حسب تعبيره – لمعرفة فحوى ما يعمل عليه معالي الوزير، إلا أنه لم يرض البوح بسرّ ما يخبئه من طروحات يفترض أن تكون إيجابية في سبيل تطبيق قانون منع التدخين، واكتفى بالإشارة إلى أنه عندما يصبح ما يحضّره جاهزاً يعلنه للإعلام بشكل واضح.. ونحن نقول له أننا بالإنتظار يا معالي الوزير .. عسى أن يكون خيراً .. وإلا فسنكون بالمرصاد!
في المقابل، مديرة العلاقات العامة في جمعية “حياة حرة بلا تدخين” ونائبة الرئيس، رانيا بارود، أفصحت لـgreenaera عن علاقة تمّت حياكتها مع وزير الصحة الحالي غسان حاصباني، على أمل التوصّل إلى إيجابية في التعاون، كما أشارت إلى طرح أو خطة تعمل عليها الجمعية لم تتبلور تفاصيلها بشكل كبير بعد، لكنها تصبّ حتماً في خدمة تطبيق قانون منع التدخين .
بارود التي شاركت بفعالية كبيرة في الضغط لإنتاج هذا القانون تتأسّف لواقع الحال الذي وصل إليه، متحدثة عن سببين أديا إلى توقّف تطبيقه: أولهما، رغم تسطير الشرطة السياحية حوالي 8000 ضبط في عهد الوزير فادي عبود ونظيره في الداخلية مروان شربل، إلا أنها ضاعت كلها في نظام تحصيل الغرامات. أما السبب الثاني فيعود بكل صراحة إلى عدم رغبة كل من الوزراء الذين تعاقبوا على إدارة حقيبة السياحة ميشال فرعون وأواديس كيدانيان بتطبيق القانون.
بين أفكار معاليه “السريّة”، وعمل جمعية “حياة حرة بلا تدخين” العمليّة، دقّ رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاطف مجدلاني ناقوس الخطر، مشيراً في حديث للوكالة الوطنية للإعلام إلى أن الخروقات والتجاوزات في تطبيق قانون الحد من مخاطر التدخين قد وصلت إلى الخط الأحمر، وباتت هيبة الدولة وليس فقط صحة المواطن على المحك.
فانتقد تراخي أجهزة الدولة الرسمية المعنية في تطبيق منع التدخين في الأماكن العامة بذرائع مختلفة وواهية. مشدداً على أن هذا التراخي هو الذي شجّع على تكرار خرق بنود القانون بدءاً بعدم الالتزام بمنع التدخين، مروراً ببنود منع الإعلانات التجارية للدخان، مستشهداً بأمثلة مرئية وإعلانات موزّعة على الطرقات تسقط من هيبة الدولة وتضرب بالقانون عرض الحائط.
غريب أمر المسؤولين والمواطنين في لبنان، ففي إندونيسيا، رابع أكبر منتج للسجائر في العالم، أعلن في بداية هذا الشهر حي في العاصمة الإندونيسية جاكرتا نفسه منطقة خالية من التدخين مع اعتزام طلاب تنظيم مزيد من الاحتجاجات ضد ما يعتبرونه محاولة متزايدة من جانب شركات السجائر لاستهداف الشبان. وتم طلاء صف لا يقل عن 12 منزلا في حي بيناس تانجول بألوان ساطعة في مارس/ آذار مع لافتة زرقاء معلقة قرب المدخل يعلن الحي منطقة خالية من التدخين. وتتصدى بضع جماعات الآن لكبريات شركات إنتاج السجائر في العالم في إندونيسيا التي يبلغ عدد سكانها 250 مليون نسمة وحيث يدخن نحو ثلثي الرجال ويمكن أن يبلغ ثمن علبة السجائر أقل من دولارين.
دقّ المي مي، هكذا هو حال اللبنانيين اليوم، وإن لم يردعهم قانون فلن يكون هنالك أي رادع، لكن العبرة في تنفيذ القانون وليس صياغته وتوقيعه. وإن غفل المسؤولون عن صحة المواطنين، الأكيد أن المجتمع المدني لن يستسلم، فلا تختلف تجارب الدول الأجنبية عن لبنان، ففي فرنسا مثلًا طبّق القانون بعد ست سنوات من إقراره، أمّا في سويسرا فهو لم يطبّق رغم صدوره منذ سنوات. وفي اليوم العالمي لمحاربة التدخين، يبقى الأمل بالتغيير الطريق الأوّل والأخير.