“القافلة تسير والكلاب تنبح”، لعله أبلغ مثل شعبي يعبر عن خطوة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، بسحب توقيع بلاده من إتفاقية باريس حول تغير المناخ.

لا يمكن وصفه هذه الخطوة بأقل من أنها وقحة وغبية في آن واحد. عدد كبير ممن يحيطون بالرئيس أوصوه بأن يتحايل كما تفعل الولايات المتحدة عادة، وأن لا يطبق الاتفاقية دون ان ينسحب منها. لكن الرجل المؤدلج ضد علم تغير المناخ، والغارق حتى أذنيه بسياسة تشجيع الوقود الاحفوري وسحبه من باطن الارض والبحر حتى آخر نقطة، فضل ان يكون اقل دبلوماسية واكثر فظاظة.

عاصفة التصريحات التي اعقبت قرار ترامب، كانت عالمية، ببساطة لان جميع دولة  العالم قد وافقت على اتفاقية باريس ، باستثناء نيكاراغوا وسوريا، لتنضم اليهما الولايات المتحدة الاميركية. واذا كانت حجة الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاقية كيوتو انها لم تشمل في حينها الصين. فإن دولاً مثل الصين والهند  تتصدر حالياً المشهد العالمي في التصدي لتغير المناخ. ولعل أبلغ تعليق على أنسحاب ترامب ما أعلنته امس وزير البيئة الألمانية Barbara Hendricks ان “ترامب إختار الماضي، وبقية دول العالم إختارت المستقبل”.

وأقر اتفاق باريس نهاية عام 2015، ووقعته 197 دولة، وصادق عليه 147 دول حتى الآن. وتساهم هذه الدول بنسبة 82.94 بالمئة تقريبا من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. ومن شأن تطبيق هذه الاتفاقية، تجنب السيناريو الكارثي المتمثل بارتفاع حرارة الأرض بين أربع إلى خمس درجات.

وتنص اتفاقية باريس على موجبات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال اجراءات ردعية غير مسبوقة لوقف تدريجي صناعة إستخراج وصناعة النفط في مهلة أقصاها نهاية العام 2020، وذلك لضمان الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية “أقل بكثير من درجتين مئويتين” مقارنة بعصور ما قبل الصناعة (1880 _ 1899). وبغية ذلك، وضعت الدول هدفاً نصب أعينها يتمثل في خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 50 بالمئة بحلول عام 2050، و 100 بالمئة بحلول عام 2100، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون الوقف الكامل لاستخدام الوقود الاحفوري.

وكان الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما قد وقع إتفاقية باريس في 22 نيسان 2016، وقبلت من  السلطة التشريعية في 3 ايلول 2016، وخضعت للمصادقة النهائية في 4 تشرين الاول 2016، بالتزامن مع دخول الاتفاقية حيز النفاذ، حيث بلغت عدد الدول التي وقعت الاتفاقية في ذلك التاريخ 55 دولة تمثل مجموع انبعاثاتها من الغازات الدفيئة ما نسبته 55 بالمائة من الانبعاثات العالمية.

ومعلوم ان اتفاقية باريس تمنع خروج أي دولة منها قبل مرور ثلاث سنوات، بالإضافة إلى سنة هي مدة إشعار مسبق قبل الخروج، ولذلك سيكون هناك مدة أربع سنوات من الاستقرار، لكن قرار  ترامب سيؤدي الى التراجع عن مروحة واسعة من الالتزامات والبرامج الفدرالية الاميركية التي تسمح بأن تنفذ الولايات المتحدة الاميركية التزاماتها المحددة وطنياً، وفق اتفاقية باريس.

ويتوقع ان قرار العودة الى الاتفاقية او تكريس القطيعة النهائية معها، البند الاول على لائحة الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المقبل، والذي يفتح قبل عام ونصف على الاقل.

وكان آخر اجتماع قد حضرته الولايات المتحدة الاميركية بوصفها عضو في  اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، مؤتمر بون الذي عقد في الفترة من 8 إلى 18  أيار 2017 في ألمانيا. وشمل المؤتمر الدورة السادسة والأربعين للهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية والدورة الثالثة للاجتماع الأول للفريق العامل المخصص المعني باتفاق باريس.

وعادة ما تتضمن المحادثات المناخية السنوية التي تتم بين اجتماعات الدول الاطراف، مناقشات تقنية وموجهة نحو التفاصيل.

“في بون وصل المندوبون هذه المرة متوقعين جولة ساخنة استثنائية من المفاوضات. وقد غلب على تفكير عقول الكثيرين حالة من عدم اليقين بشأن مشاركة الولايات المتحدة في اتفاق باريس في المستقبل. ومع ذلك، فإن “المعضلة العويصة التي شهدتها غرفة الاجتماعات” في البداية سرعان ما أصبحت أمراً بسيطاً بعد أن أخر مندوب الولايات المتحدة قراره، مما سمح للمفاوضين بالعودة إلى نمط العمل “المعتاد”. بحسب ما افادت نشرة “مفاوضات الارض” الصادرة عن المعهد الدولي للتنمية المستدامة.

وخضعت الولايات المتحدة الأميركية خلال هذا الاجتماع الى “التقييم المتعدد الأطراف الذي عقد يومي الجمعة 12  آيار والسبت 13 أيار، الى جانب 16 دولة بينها روسيا وكندا وفرنسا واليابان.

جاهر المندوب الأمريكي Trigg Talley خلال هذه الجلسة بالاجراءات التي اتخذتها الادارة الجديدة، على قاعدة تشجيع الاستثمار والاقتصاد وخلق فرص عمل، وأن هدف الادارة الجديدة منع أي إجراء يخلق رادعاً أمام إنتاج الطاقة. أي بمعنى اكثر وضوحاً وقف جميع الالتزامات الوطنية بالمتعلقة بخفض الانبعاثات وفق ما تنص اتفاقية باريس. كما ان ترامب طلب من وكالة حماية البيئة الأميركية مراجعة الخطة السابقة حول الطاقة النظيفة. ورفعت الحظر على إنتاج وإستخدام الفحم الحجري الذي يعتبر أكثر مصادر الطاقة تلويثاً.

لكن ما لم يقله  Talley خلال هذا الاجتماع، ان المدير الجديد لوكالة حماية البيئة الاميركية، Edward Scott Pruitt، المعادي لعلم تغير المناخ، والمشكك بضاهرة الاحتباس الحراري، قاد  خلال الاسابيع الماضية حملة منظمة، مع جميع المعارضين لتوقيع الولايات المتحدة اتفاقية باريس، لنشر اعلانات مدفوعة الاجر في الصحف الاميركية. وتهدف هذه الحملة بحسب موقع Axios، الى نشر معلومات مغلوطة حول الاثار الاقتصادية للاتفاقية، ومستوى التزامات الدول النامية بخفض الانبعثات، اضافة الى التشكيك بعلم المناخ، والتقارير التي تظهر أثر تغير المناخ على الكرة الأرضية.

ولعل الرد الأول على خطوة ترامب سيكون أوروبياً،  حيث ينعقد مطلع الاسبوع المقبل، في غلاسكو، أسكتلندا، المؤتمر الأوروبي الثالث للتكيف مع تغير المناخ، الذي يجمع  بين ممثلي قطاعات الأعمال التجارية والصناعة والمنظمات غير الحكومية والحكومات والمجتمعات المحلية لتبادل المعرفة والخبرات والأفكار، بمشاركة أبرز الباحثين وصناع السياسة.

 

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This