ما زالت تداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخروج من “إتفاق باريس للمناخ”، تتوالى تباعاً. وبين الداعمين للقرار والمدافعين عنه، من جهة، ومنتقديه ومعارضيه من جهة أخرى، حاولت سفيرة أميركا في الأمم المتحدة تبييض صفحة ترامب، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل: هل بدأت بوادر الندم تظهر على الرئيس الأميركي، لتحاول سفيرة بلاده استدراك الوضع قبل تأزّمه؟
نيكي هالي، سفيرة الولايات الأميركية في الأمم المتحدة، في حديث لـ “سي ان أن”، حاولت جاهدة التخفيف من وطأة قرار ترامب، الذي وجّه العالم ضدّه، فعبّرت بشكل واضح، خلال المقابلة، عن أن الرئيس الاميركي يؤمن بتغيّر المناخ، تماماً كما يؤمن بأن التلوّث هو جزء من المعادلة.
لم تكتف بهذا القدر من التبرير، بل أكّدت أنه يدرك أن على أميركا الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه الموضوع؛ وهو ما تسعى للقيام به. مشدّدة على أن خروج أميركا من الإتفاق لا يعني أنها لن تكون معنيّة بالبيئة !
مصدر هذا الكلام، يدعو للإستغراب والتساؤل فعلاً عن نوايا أميركا المبطّنة. وعن مخططات ترامب المرسومة، خصوصاً أنه أشار في خطاب انسحابه من “اتفاقية المناخ”، إلى أنه ربما سيدخل إلى اتفاق آخر بشروط أخرى. فتاريخ حملات ترامب الإنتخابية، يشهد على عكس ما تفضّلت به هالي، لا بل قراراته المتّخذة في المجال البيئي، تعكس قناعة الرئيس الأميركي بأن التغيّر المناخي خدعة اخترعها العالم.
لا مجال للشكّ في هذا الموضوع، ترامب الذي جاهر مراراً بخسائر كبيرة تسجّلها إدارته، لمجرّد الالتزام بالاتفاقية، اتخذ خطوات فعّالة ومجحفة ضد البيئة، قبل أن يرتقي إلى أعلى السلّم ويعلن عزوفه عن محاربة أعداء الطبيعة.
استعرضت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أكثر أعمال ترامب المثيرة للخوف، بشأن الاحترار العالمي، في مقال نشرته قبل إعلان انسحابه بيوم واحد.
أولى الخطوات، كانت ترشيح سكوت برويت، في منصب مسؤول وكالة حماية البيئة، لانّه مؤمن كرئيسه ترامب، بأن ثاني أكسيد الكربون ليس المساهم الرئيسي في الإحترار المناخي، مناقضاً بذلك علماء المناخ كافة. وداعماً لمصالح الوقود الأحفوري، بشكل كبير.
ترامب، الذي أشار في خطابه الرئاسي إلى أهميّة تخفيض المصاريف، للتخفيف من أعباء الميزانية، خطا أولى “إصلاحاته” من خلال تخفيض ميزانية وكالة حماية البيئة إلى الثلث. وهي خطوة وصفها عدد من الجمهوريين بأنها شديدة القسوة، فتدهورت برامج الطاقة والمناخ النظيف؛ وانكفأت عملية جمع البيانات الخاصة، بانبعاثات الغازات الدفيئة التي تقوم بها الشركات.
إضافة إلى ذلك، ألغيت الإعتبارات المناخية في التصريح الفيدرالي. وتوقفت التدابير الرامية إلى خفض انبعاثات غاز الميثان. وتم تعليق معايير جديدة لتحسين كفاءة استهلاك الوقود للسيارات والشاحنات.
خطّة الطاقة النظيفة تعرّضت، في مدة قصيرة من تولّي ترامب الرئاسة، إلى نكسة كبيرة تمثّلت بأمر تنفيذي لإستعراض خطة الطاقة النظيفة، من أجل إزالة “الأعباء التنظيمية التي تعوق إنتاج الطاقة دون داع”. فيما تعهّد ترامب مراراً، بتفكيك الخطة التي تهدف إلى الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم.
وقد انتقد البيئيون هذا الطرح، لاعتبارهم أن غياب هذه الخطة، يؤدي إلى فشل الولايات المتحدة في خفض الإنبعاثات، إلى المستوى الذي كانت تعهدت به في “اتفاقية المناخ”.
رابع “كوارث” ترامب البيئية، ترجمها بإصداره تعليمات إلى وزارة الداخلية، لاستعراض العشرات من المعالم الوطنية، لمعرفة ما إذا كان يمكن التخلص منها أو تغيير حجمها، للسماح بتحسين فرص الحصول على حفر البترول والغاز.
الموافقة على خطوط الأنابيب، كانت الخطوة الخامسة في سجّل ترامب البيئي الأسود، فدعا في بداية عهده، إلى الموافقة السريعة على خطوط أنابيب كيستون وداكوتا، المثيرة للجدل. وقد بدأ فعلاً تنفيذ المشروعين. وسجلت التسريبات الأولى قبل أن يبدأ تشغيلهما.
ختام الخطوات مسك مع ترامب، حيث أعلن انسحابه من اتفاقية المناخ، متنصّلاً من واجباته في محاربة ما جنت عليه بلاده .
عبر سلّة القوانين تلك، صعد ترامب السلّم درجة درجة، فهل يفسّر كلام هالي بالعودة أيضاً درجة درجة؟