اختلفت وسائل توليد الطاقة وتعدّدت مصادرها. ومع تفاقم أزمة الإحترار المناخي واضمحلال الموارد الأساسية، إضافة إلى استحداث سياسات تغرّم الوقود الأحفوري وتدعم المصادر المتجددة، بدأ الخشب، أقدم مصدر للطاقة على الإطلاق، يكتسب شعبية كبيرة.

يعتبر الخشب في أشكاله المتعددة، المصدر الأكبر للطاقة المتجددة في أوروبا، مشكّلاً نصف استهلاكها، بينما يلبّي أكثر من 80  في المائة من الطاقة المطلوبة،  في دول مثل بولندا وفنلندا. حتى في ألمانيا، الدولة الأولى عالمياً في استخدام الطاقة المتجددة، يشكّل الخشب 38 في المائة من استهلاك الوقود غير الأحفوري.

وبحسب منظمة “الفاو”، يعتبر الخشب المصدر البشري الأول للطاقة، الذي لا يزال إلى اليوم، من أهم المصادر التي توفّر نحو ستة في المائة من إجمالي الطاقة الأولية في العالم. وينشأ الوقود الخشبي من مصادر متعددة، بما في ذلك الغابات والأراضي الحرجية والأشجار الأخرى خارج الغابات، والمنتجات المشتركة من معالجة الأخشاب والخشب المسترجع، بعد الاستهلاك والوقود المعالج من الخشب، إلخ.

تفضّل سياسات المناخ الجديدة، وقود الكتلة الحيوية. وهي مواد نباتية تستخدم كوقود حيوي، بالإضافة إلى مواد نباتية أو حيوانية، تستخدم في إنتاج الألياف، أو الكيماويات، أو الحرارة. وقد تتضمن أيضاً، نفايات تتحلل طبيعياً، يمكن حرقها كوقود. تستثنى من ذلك المواد العضوية، التي حولتها العمليات الأرضية إلى فحم أو نفط.

نظراً لتلك السياسات الجديدة؛ وفي ظل محاربة أسباب التغيّر المناخي، نما استخدام الأخشاب لتوليد الكهرباء والحرارة بسرعة، في السنوات الأخيرة، لكن بقي تأثيره الحقيقي على المناخ والثروة الحرجية  مثيراً للجدل؛ وأصبح موضوع نزاع كبير. وحذّرت دراسة جديدة من أن استخدام حبيبات الخشب لتوليد كهرباء منخفضة الكربون، هي سياسة خاطئة، لأنها تسرّع من عمليات الإحتباس الحراري. محصّلة النقاش حول تأثير الطاقة الخشبية على المناخ، طرحتها الدراسة من خلال تقديم توصيات لصانعي السياسات، بشأن الطريقة المناسبة للمضي قدماً.

ورغم أن مختلف سياسات الطاقة المتجددة، تتعامل مع هذه الكتلة الحيوية، على أن معدّل الكربون عند الاحتراق هو صفر، جاءت هذه الدراسة الجديدة لتظهر العكس، إذ أن الانبعاثات الحرارية المترتبة عن حرق حبيبات الخشب، هي أكبر من أنبعاثات حرق الفحم للحصول على الطاقة. وبالتالي، فإن هذه العملية ليست خالية من انبعاثات الكربون.

المشكلة الرئيسية تكمن في قواعد الأمم المتحدة بشأن المناخ، التي تحسب الانبعاثات من الأشجار فقط، عندما يتم حصادها. فتشدّد الدراسة التي نشرت على موقع مركز الأبحاث والدراساتtchatham house ، على أن اللوائح الحالية لا تأخذ في الحسبان الانبعاثات المتصاعدة من عملية حرق الخشب، على افتراض إنتاج  سياسة متوازنة بزرع أشجار جديدة. إلا أن كاتب البحث، دانكن براك، يشير إلى أن هذه السياسة معيبة جداً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من مختلف المصادر.

ففي ظل قواعد المحاسبة الدولية لغازات الدفيئة، تسجل الانبعاثات المرتبطة بها في استخدام الأراضي، بدلا من قطاع الطاقة. ومع ذلك، فإن الطرق المختلفة التي يتم بها حساب انبعاثات استخدام الأراضي، تعني أنه لا يمكن أبداً حساب نسبة من الانبعاثات من الكتلة الحيوية .

براك، الذي شغل منصب مستشار سابق في وزارة الطاقة وتغير المناخ البريطانية، يشدّد على أن هذه الفكرة ليست ذات مصداقية؛ ولا معنى لها. واستند إلى أبحاث تشير إلى أن الغابات واصلت النمو على مدى السنوات المئة الأخيرة، الأمر الذي يعني أنها خزّنت كميات كبيرة من الكربون؛ ولا يمكن التظاهر بأنها لن تؤثر على الغلاف الجوي، عند قطعها أو حرقها. فضلاً عن أن عدد الأشجار الصغيرة المزروعة، كبدائل لامتصاص وتخزين الكربون، هي أقلّ بكثير من تلك التي يتم حرقها.

وبالتالي، فإن حرق حبيبات الخشب، سيطلق مزيداً من الكربون، أكثر من الوقود الأحفوري. وتتسبّب رحلة المنتجات الخشبية لمسافات طويلة، في المزيد من انبعاثات الكربون، لأنها مرتبطة بالإنتاج والنقل تحديداً.

في المحصّلة، يشير براك ألى انه يمكن لمعايير الاستدامة أن تكفل حصر الإستخدام بالكتلة الحيوية، ذات التأثير الأدنى على المناخ. ومع ذلك، فإن المعايير الحالية المستخدمة في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي هي قيد التطوير، لا تحقق ذلك، لأنها لا تأخذ في الاعتبار التغيّرات في مخزون كربون الغابات.

وفيما يطالب بضرورة إعادة النظر فوراً، في الدعم المقدّم للكتلة الحيوية، أي لسياسات توليد الطاقة من المواد الحيوي، تمنّى أن تبدي السياسات الحكومية الجديدة دعماً لزيادة مساحة الغابات وليس استعمالها للحصول على طاقة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This