منذ ملايين السنوات من تاريخ وجود أقدم الفقاريات الزاحفة على كوكبنا لا تزال صامدة، تجوب البحار والمحيطات، وتعاني من مختلف الممارسات البشرية المسيئة وغير الواعية، أوصلت بعض أنواعها الى حافة الانقراض بالرغم من أن لها دورا بيئيا مهما في محيطها.

إنها السلاحف البحرية، وهي تغني بحرنا اللبناني بثلاثة من أنواعها، السلحفاة الخضراء Chelonia mydae والسلحفاة الجلدية Aecairoc sylehcomre وأعدادهما قليلة أو نادرة نسبيا، والسلحفاة ذات الرأس الضخم (Loggerhead) وقد تم رصد نفوق أعداد كبيرة منها على امتداد الساحل اللبناني من أقصى الشمال إلى الناقورة جنوبا.

بعض حالات النفوق أسبابها واضحة ومعروفة، في مقابل حالات بقيت أسبابها غامضة، حتى بعد تشريحها وعدم ظهور آثار تثبت تعرضها لحوادث عرضية كانت أم مقصودة، مما يثير المخاوف ويهدد سلامتها واستمرارها.

 

ردم البحر بالنفايات وقضم الشاطئ

 

وتجاوزت التعديات في ظل غيات الحكومات المتعاقبة، أي تعديات أخرى طاولت حياة السلاحف خلال عقود طويلة، الامر الذي ساهم بتعريضها للنفوق والانقراض بسبب إنتشار البلاستيك في البحر، والناتج بمعظمه عن التعدي على الشاطىء، ومؤخرا ردم البحر بالنفايات وإقامة المكبات والمطامر عند الخط البحري، كذلك الامر ساهم قضم ما تبقى من الشاطئ اللبناني لصالح استثمارات تدر الربح على المستفيدين منها، بالقضاء على معظم موائلها وأماكن تعشيشها ووضع بيوضها.

خطة عمل وطنية

 

في الجانب الآخر، لم تتوان الكثير من الجمعيات البيئية وبعض المؤسسات في الدولة والمراكز التي تعنى بحمايتها عن تقديم العون لها، ولكن بجهود متفرقة وبطيئة لأسباب عدة، منها عدم توفر الموارد والامكانيات ومنها الخلافات التي تعيق التعاون ولا تخدم الهدف، فبالرغم من ان ناقوس الخطر دق بعد استهداف مختلف القضايا البيئية، إلا ان الجهود لم تتضافر في موضوع واحد، علما بأن أيا من المشاكل تحتاج قبل تحديد أسبابها وتجميع قاعدة بيانات شاملة بشأنها الى توحيد طرق واساليب الحل، من خلال إعداد خطط عمل وطنية تترفع فوق الاعتبارات الضيقة، وهذا ما ينطبق على مختلف القضايا، ومنها قضية نفوق السلاحف في لبنان.

 

العثور على سلحفاة نافقة

 

في هذا السياق عثر ظهر أمس على سلحفاة نافقة عند شاطئ الرميلة في جنوب لبنان، وقد تبلغت “جمعية Green Area  الدولية” عن هذه الحالة من أحد رواد الشاطئ من أصدقاء الجمعية، وقد تابع معها توثيق مختلف القضايا والتعديات على الاحياء البحرية والبحر، وإحداها قضية السلحفاة “لاكي”، فقال لـ greenarea.info: “إن السلحفاة تشبه (لاكي) الى حد كبير وقد وجدتها على مقربة من الشاطئ الرملي، بحالة انتفاخ وتعفن، وبادرت الى سحبها من الماء والاسراع بتبليغ الجمعية لإتخاذ القرار المناسب بشأنها”.

الانقاذ البحري في الدفاع المدني

 

فريق الانقاذ البحري في الدفاع المدني الذي لم يتأخر يوما عن تقديم المساعدات للسلاحف البحرية، والعمل على إنقاذها من خلال متطوعيه وعناصره، توجه الى الشاطئ  بطلب من الجمعية وبالتنسيق معها لسحبها من مكانها، والتأكد من هويتها من خلال مقارنتها بالمعطيات التي لديهم عن “لاكي” من حيث الحجم، الشكل، والندبات التي تركت أثرها على لاكي بعد الحادثة التي تعرضت لها قبل سنة، وكان لفريق الانقاذ البحري الفضل الأكبر في رعايتها وإيوائها وإعادة تأهيلها قبل أن تغادرهم نحو عالمها الأوسع.

بعد معاينتها ميدانيا تبين أنها سلحفاة ذكر، كبيرة الحجم تنتمي لنوع ذات الرأس الضخم (كاريتا كاريتا)  Loggerhead، وقد بدت في حالة تحلل وانتفاخ وتنبعث منها الروائح الكريهة، ما يؤكد أن نفوقها قبل عدة أيام من العثور عليها، وإلى تعرضها لحادث نتج عنه جرح كبير في الرأس وكسور في “قوقعتها الظهرية”.

ويرجح في مثل هذه الحالات أن يكون سبب نفوقها إصطدام أحد المراكب البحرية بها، أو وقوعها ضحية الصيد بالديناميت، كما وأكد مصدر مسؤول في الانقاذ البحري لـ greenarea.info بأنها ليست “لاكي” رغم توافق النوع والجنس وتقارب الحجم.

 

محمية شاطئ صور الطبيعية

 

أما بالنسبة لـ “محمية شاطئ صور الطبيعية” التي تقوم بإحصاء وتسجيل ومراقبة حالات نفوق السلاحف، وتشريحها ودراستها بشكل علمي ضمن مهامها وأهدافها للحفاظ على هذه الثروة وضمانة استمراريتها مستقبلا، أبدت لـ greenarea.info استعدادها لإستقبالها والقيام باللازم، إلا أنه تقرر دفنها لاحقا بعد أن اتضح سبب النفوق الذي لا يستدعي التشريح، بالاضافة إلى شدة تحللها وتعفنها وانبعاث الروائح منها، ما يعيق نقلها ايضا وتشريحها، وبناء عليه، أتم عناصر “الانقاذ البحري في الدفاع المدني” مهمة سحبها من الشاطئ ودفنها، فهل سنظل نشاهد حلقات جديدة من مسلسل نفوق السلاحف المستمر؟

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This