كم من ضحايا وقعوا على أبواب المستشفيات لأسباب متعددة، أما لتأخر في نقلهم، أو أنهم لم يجدوا مستشفى تتوفر فيه أسرة لاستقبال حالتهم الصحية، أو لأن المستشفى رفض قبولهم، لأن التغطية الصحية غير مؤمنة؛ وهلم جرّا من أسباب نعيشها يومياً في قطاع الاستشفاء والطبابة، الذي يحتاج إلى تأهيل، خصوصاً في أقسام الطوارىء، أكثر الأمكنة التي تستقبل الحالات المستعجلة، التي إذا لم تعالج في وقتها، قد يخسر المريض حياته.

هذه الصورة عن نقل المريض من منزله إلى المستشفى، توقفت عندها دراسة علمية صدرت عن الجامعة الاميركية، قسم ترشيد السياسات الصحية K2P، حيث كان للمعنين في قطاع الصحة، مواقف عدة للوصول إلى علاج صحي سليم لخدمات الطوارىء. وكان لـgreenarea.info   لقاءات مع مسؤولين عن وضع الحلول لتطور الطوارىء. لكن الجميع اجمع على أن المسألة صعبة التنفيذ. لماذا؟

غياب التجهيزات

بناء لموجز السياسات الصحية، الذي يعدّه مركز ترشيد السياسات الصحية في كلية العلوم الصحية، في الجامعة الأميركية K2P استنادًا إلى أحدث البراهين من الدراسات المحلية والدولية ذات الجودة العالية، فإن وكالات خدمات الطوارئ الطبية في لبنان، تنقل فقط نحو 15.2 في المائة من المرضى، في حين يصل 55.2 في المائة من المرضى المصابين بالجلطة الدماغية، متأخرين إلى طوارئ المستشفى، بحسب إحصائيات أحد أكبر المستشفيات في بيروت.

ويشير الموجز، إلى أنّ محدودية قطاع خدمات الرعاية الصحية في لبنان، يعود إلى مشاكل يعانيها على مستوى الحوكمة والتمويل وترتيبات تقديم خدمات الرعاية. كما أن خدمات الطوارئ الطبية محدودة الفاعلية. وكذلك كفاءتها، مما يهدد استمرارية الرعاية. زد على ذلك، أن قطاع خدمات الطوارئ الطبية في لبنان، مجزّأ ويفتقد إلى الإدارة المناسبة، على مستوى الموارد .

يقول مدير مركز ترشيد السياسات الصحية، في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية K2P، الدكتور فادي الجردلي: بعد تكاثر الاخطاء الطبية وتأثيرها على سلامة المريض في الاستشفاء، لابد من تحسين نوعية الخدمات الطبية، التي تقدم خلال الاسعاف. مع التنويه بدور الصليب الاحمر في هذا المضمار.

يضيف: كل دولة في العالم لديها نظام للطوارىء، إنما كل واحدة تختلف عن الاخرى. والنظام الصحي في لبنان، له خصوصيته، بانتظار قيام نظام طبي متطور وشامل لخدمات الطوارىء. وهناك خطوات عملية نستطيع القيام بها، منها  تحسين نوعية نظام الطوارىء، لكن المشكلة التي نواجهها، هي غياب التنسيق مع الجهات المعنية بالطوارىء وعدم توحيد المعايير الطبية، من ناحية المتطوعين والمعدات المستعملة المتطورة، بمعنى أنه ليس هناك من جهاز يقوم بالتنسيق مع المؤسسات التي تقدم خدمات الطوارىء، فضلا عن غياب المعايير  الطبية في خدمات الطوراىء. لذلك، لا بد من دور فاعل لوزارة الصحة، بالإشراف  على جهاز تنسيقي للطوارىء، يوفر المعايير الطبية ذات النوعية العالية لعمل  مؤسسات خدمة الطوارىء، بطريقة أسرع، تجنباً لأي تأخير في نقل مريض الحالة الطارئة، مثلما هو الحال في البلدان المتقدمة، إذ أنه قبل إرسال سيارة الإسعاف،  يتم التأكد من حالة المريض، لمعرفة أي نوع سيارة يتم إرسالها، حسب حالة المريض الصحية. لكن الذي  يحصل في لبنان، فيه هدر للوقت وغياب للتنسيق بين الجهات الطبية المعنية. كما أن هناك كثير من سيارات الإسعاف غير مجهز بمعدات طبية ويفتقد فريق العمل الطبي المسعف والمتخصص.

ويدعو الجردلي إلى ترشيد صحي واعادة هيكلية قطاع الطوارىء في لبنان. ويلفت إلى أن المعنيين في القطاع الصحي، بالتعاون مع وزارة الصحة، قرروا الالتزام بالمعايير الجديدة والارشادات الصحية  لخدمات الطوارىء، ففي حال حصل  لمريض سكتة قلبية، على الأقل، يجب أن يعرف المسعف الذي ينقل المريض، كيف يقدم له الخدمة الجيدة والآمنة في بالوقت المناسب.

يتابع: في المقابل، واجهنا مشكلة تمويل مثل هذا المشروع  المتخصص.  وفي انتظار تنفيذه، لابد من اتخاذ الإجراءات  الفاعلة،  مثل خضوع كل سيارة إسعاف للتأمين الالزامي، لضمان سلامة المريض. وتشكيل لجنة تنسيق مع وزارة الصحة والصليب الاحمر؛ وتوحيد المعاييرالطبية للطوارىء، التي يجب أن تستوف شروط الجودة والنوعية، مع أهمية توحيد المناهج التدريبية المتعلقة بالطوارئ الطبية. كذلك، تشكيل لجنة توجيهية موحّدة، تشرف على التعاون  والتنسيق بين جميع العاملين في قطاع الإسعاف. ولا ننسى مشكلة الازدحام المروري على الطرقات؛ وتدني مستوى الوعي في أوساط المجتمع، ما يضع عراقيل في تطوير خدمات الطوارىء في لبنان.

ويؤكّد الدكتور الجردلي، أن الوضع الراهن قد يضع حياة الأفراد والمواطنين في خطر، اذا لم تؤخذ الحلول على محمل الجد.  ويقول: هناك حلول مطروحة في موجز السياسات الصحية، مثل توحيد خدمات الإسعاف ما قبل دخول المستشفى، لناحية الإجراءات والتدريب والتعليم وتحسين نظام الخدمات الصحية، من خلال تعزيز خدمات الطوارئ والقدرات الفنية والتقنية للعاملين في هذا القطاع. وزيادة تمويل خدمات الطوارئ الطبية، من خلال آليات مختلفة،  مع الأخذ بعين الاعتبار، عند تطبيق هذه الحلول، على المستوى المهني والتنظيمي من جهة؛ وعلى مستوى النظام الصحي، ليستفيد منها جميع المواطنين في كل المناطق اللبنانية.

أول ساعتين

ويتحدث الإختصاصي في طب الطوارىء، الدكتور رشيد رحمة، عن أبرز المعوقات التي تواجه المريض والطبيب والمستشفى معاً، عند اقسام الطوارىء، خصوصاً إذا كانت حالة المريض الصحية دقيقة وخطرة، فيرى “إن خدمات الطوارىء تبدأ في المنزل، أثناء نقل المريض من منزله إلى المستشفى. لكن للأسف، قد ينقل بطريقة غير سليمة ونقع بمشاكل صحية عدة في قسم الطوارىء، عكس ما هو عليه في الدول المتقدمة، فهناك إختصاصيون يتولون إسعاف المريض داخل منزله، بإعطائه مصلاً في الشريان أوإنعاش قلبه عند الحاجة.  بينما هذا الامر غير موجود في لبنان، فليس لدينا منظمة غير حكومية سوى الصليب الاحمر، الاكثر تأهيلاً، بينما أغلبية سيارات الاسعاف غير مؤهلة لنقل المريض إلى المستشفى. وهناك متطوعون غير مخولين طبياً وضع مصل للمريض، أو إعطائه أي دواء يسعفه. ولو كان يتمتع بالكفاءة الطبية، كان يستطيع إنقاذ المريض قبل إيصاله إلى المستشفى. وعندما يصل المريض إلى المستشفى، من الضروري أن يكون هناك  طبيب متخصص، لكن للأسف، عدد أطباء الطوارىء في لبنان، لا يتعدى 30 طبيباً. وعدا المشاكل التي تواجه المريض في الطوارىء، هناك مشكلة التغطية الصحية، التي قد تعوق دخوله المستشفى في الحالة الطارئة.

يضيف الدكتور رحمة: في قسم الطوارىء نواجه مرضى تحت خطر الموت، لهؤلاء معاملاة خاص ولا وقت للبحث في أمور إدارية للدخول، لأن المطلوب اإنقاذ المريض خلال  18 دقيقة، في حالات مرضى القلب. ولذلك، نجد وزارة الصحة اليوم، تنسق مع نقابة المستشفيات، لتحديد مستشفيات للحالات الطارئة وتصنيفها حسب الاختصاص، ضمن سقف مالي محدد،  بالتنسيق مع الصليب الاحمر، إلّا أن هذا الأمر مازال في بدايته. وإذا لم يعالج هذا الموضوع  بحذافيره، يذهب كل الجهد هباءً في مسألة الطوارىء، لأن ما يجب معرفته، أن إنقاذ المريض يكون في أول ساعتين على إصابته، لذلك، يجب وضع كل الجهود لاتقاذ حياته، بدل التنقل من مستشفى إلى آخر من دون جدوى.

“ألإسعاف أونلاين”

ويقول رئيس الصليب الاحمر جورج كتانة: إن الصليب الاحمر مجهّز في تنقلات إسعافاته، فخدمات الطوارىء ننظمها مع وزارة الصحة ونقابة المستشفيات، لكي نجد حلاً لمسألة نقل مرضى الحالات الطارئة إلى المستشفى الذي يجب التوجه اليه. والصليب الاحمر مجهز بكل المعدات لانعاش المريض صاحب الحالة الصحية الخطرة. لكن هناك أمور لا يمكن أن تتم إلاّ على يدي الطبيب المؤهل لها.

يتابع: الصليب الأحمر دائماً في تواصل مباشر “أونلاين” مع أي مستشفى قادر على استقبال مريض الحالة الخطرة. والجديد في هذه المسألة، أنه في السابق كان المريض ينقل إلى أقرب مستشفى. أما اليوم، فنتّبع طريقة جديدة، بآلية واضحة، بالتواصل مع المستشفى المؤهل لاستقبال المريض. لذلك، نطالب بنظام طوارىء واضح في البلد، خصوصاً أن الصليب الأحمر يستجيب اليوم، لأغلبية طلبات الإسعاف في لبنان، إذ أنه قدّم في العام 2016 خدمات الإسعاف لأكثر من 130 ألف مريض. وهناك تحديات كبيرة تواجه جميع الوكالات، التي تقدم خدمات الإسعاف في لبنان. وهناك الكثير لفعله فيما يتعلق بتحسين وتطوير الاستجابة لحالات الطوارئ؛ وتقديم خدمات رعاية عالية الجودة في هذا القطاع الحيوي.

التمويل

ويشير نقيب المستشفيات سليمان هارون، إلى أن النقابة تبحث مع وزير الصحة، إنشاء مركز لتلقي اتصالات المرضى، الذين يريدون أن تستقبلهم المستشفيات في حالات طارئة. وكل مستشفى يقدم تقريراً للمركز، عند الساعة الثامنة صباحا وعند الرابعة بعد  الظهر، ليتعرف عمن هو الاكثر جهوزية لاستقبال المريض. كما يتم نقل المريض أحياناً، إلى المستشفى في سيارات غير مجهزة. لذلك، نشدّد على أهمية إيجاد خطة كاملة متكاملة، ضمن جهاز طبّي متطوّر، تحت رعاية وزارة الصحة.

ويرى هارون، أن لا حل قريبأً لموضوع خدمات الطوارىء،  لأنه يحتاج إلى تمويل وفريق طبي متطور، لأنه ليس لدينا سوى 30 طبيب طوارىء، فاذا نظرنا إلى الصليب الاحمر، نراه يلجأ إلى المتطوعين، فيما المطلوب كوادر طبية متخصصة للحالات الطارئة.

تأهيل الفريق الطبي

ويعتبر نقيب الاطباء الدكتور ريمون صايغ: أن الاهتمام يجب أن يبدأ بالمرضى من المنزل إلى المستشفى الكفوء. كما أن نقل المريض يجب أن يكون في سيارة إسعاف مجهزة، ذات نوعية عالية من الخدمات الطبية. لكن في لبنان معاناة، سواء في نقل المريض إلى المستشفى، أو إيجاد سرير له، خصوصاً إذا كان وضعه الصحي طارئاً ودقيقاً، كحصول الجرحة القلبية في المنزل، حيث يجب نقله بدقة متناهية. لذلك، أصريت على تحديد مستشفيات مختصة تهتم بالمرضى المعرضين للخطر الصحي الطارىء. وليس فقط، الاتكال على الصليب الاحمر. لذا، لا بد من وجود جهاز طبي متطور، يعرف كيف يتعامل مع المريض، قبل نقله الى المستشفى. إلاّ أن تشكيل هكذا فريق، يتطلب تكاليف مادية عالية. وللأسف، ليس لدينا عدد كاف من أطباء الطوارىء الأكفاء في المستشفيات.

الصحة: حاجات وإمكانات

ويقول مستشار وزير الصحة، الدكتور بهيج عربيد، أن لا شيء جديداً في موضوع تأهيل خدمات الطوارىء الطبية، كون الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدعم المالي. وإلى فريق متطور متخصص في طب الطوارىء. وهذا الامر غير متوفر.

يضيف: لا شيء جديداً في موضوع الطوارىء الطبية في لبنان، منذ أن وضعنا استراتيجيات صحية للطوارىء، منذ أكثر من عشر سنوات، كلجنة وطنية مؤلفة من كل من: الجمعية اللبنانية لأطباء الطوارىء، رؤساء أقسام الطوارىء من المستشفيات الجامعية وأنا ممثلاً وزارة الصحة، حيث وضعنا استراتيجية متكاملة  للطوارىء في المستشفيات. لكن لم يحصل أي شيء من هذا  القبيل، نظراً للمعوقات التي واجهناها، ممثلة بالطاقم البشري والمعدات، عدا عن صعوبة وضع رخصة ومعايير موحدة، تخوّل سيارة الإسعاف  نقل المريض بشكل آمن، ضمن فريق طبي متطور، مؤلف من طبيب، أو ممرضة مدربة على الاسعاف، حسب نوعية الحالة المرضية، مع أهمية  الحفاظ على المستوى الطبي في تقديم خدمات الطوارىء لدى المستشفيات.

يتابع: للأسف، إن عدد أطباء الطوارىء لا يتجاوز الـ30. إزاء هذا الواقع الطبي الدقيق، أحضّر حالياً كتاباً إلى وزير الصحة  غسان حاصباني، بالخطوات الواجب اتخاذها لتطوير نظام الطوارىء. أقله، زيادة عدد أطباء الطوارىء، فلدينا في محافظة الشمال، طبيب واحد إختصاصي طوارىء. وفي محافظة البقاع، طبيب طوارىء واحد. ونحن بحاجة، ليس فقط لأطباء طوارىء، بل كذلك، لأطباء مختصين بمرض  الشيخوخة. وعددهم لا يتعدى اليوم أربعة أطباء. لذلك، نسعى حالياً في وزارة الصحة، إلى إعادة تقييم خطة الطوارىء في لبنان.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This