مبدع في إقامة الطرق والجسور بصبر وجهد كبيرين، يوجد منه أكثر من عشرة ألاف نوع، تشكل مايقارب الـ20 في المائة من مجموع الكائنات الحية، التي تعيش على سطح كوكب الارض. وعلى الرغم من أنه يستطيع العيش في أقسى البيئات (الصحراوية)، متحملاً درجات حرارة عالية تصل إلى 100 درجة مئوية، إلا أنه يوجد بكثافة في الغابات الإستوائية، حيث يمكن أن تصل أعداده إلى نصف عدد الحشرات التي تعيش في الغابة. أما عمره الحقيقي، فيتراوح بين 45 و 60 يوماً. وهو من الكائنات التي تلعب دوراً هاماً جداً في تحقيق التوازن البيئي، كونه يعمل على تهوئة التربة ويساعد في انتقال البذور من مكان إلى أخر. يعود وجوده الى عصر الديناصورات، ( 92 مليون سنة)، إنّه النمل.
ذكاء اجتماعي
يعيش النمل في ممالك تحكمها تراتبية هرمية، تلتزم فيها النملات العاملات (إناث بلا أجنحة ولا تتكاثر) بأوامر الملكة الأم، التي تحكم المملكة كلها بانضباط رهيب. فالعاملات من النمل، لا تكلّ ولاتملّ، لدرجة أنها لاتنام ولو لثانيه واحدة. تعمل وفق طرق منظمةٍ جداً. تمتد مهامها من: حمل الأوراق، نقل المواد الغذائية والحجارة وكل مايلزم من مواد لبناء الأعشاش والجسور، إلى حفر الانفاق ورعاية الصغار. وللنملة فكين قويين، حيث تستطيع بهما حمل ما يتجاوز وزنها بخمسين مرةٍ.
أجرى علماء من جامعة أوريغون في الولايات المتحدة، دراسة بينت أن النمل مع تقدمه في العمر؛ وبعد أن يتعب فكاّه، يتوقف عن قطع الأوراق ويُكلف بمهامٍ أخرى، لا يلزم فيها استخدام الفكين .
البصمة النملية
وكما لدى كل إنسان بصمة تميزه عن غيره، يوجد لدى كل نوع من النمل، مادة كيميائية تدعى “فرمونات”، هي بمثابة بصمة، أو بطاقة تعريف تميزه. وتدل هذه المادة، على العشّ الذي تنتمي إليه النملة. والوظيفة التي تؤديها، في هذا العش. كذلك، يستخدمها النمل كلغة للتواصل فيما بينه.
النمل الذكي والعسل
رغم أن حجم دماغ النملة متناه الصغر، إلا أنها قادرة على التحليل والتفكير، فهي مثلاً، تقوم بشطر كل الحبوب التي تجمعها، إلى نصفين، حتى لا تنبت فى العش. لكن ما يثير العجب، أن النمل يرسل رسلاً منه، لجمع بيوض حشرة تدعى “بق النبات”. وهي حشرة صغيرة، تعيش على النبات وتدر سائلاً حلواً يسميه علماء الحشرات “العسل”. ويرعى النمل هذه البيوض، إلى أن تفقّس وتخرج منها اليرقات. ويستمر في تدجينها حتى تكبر، فيقوم بـ “حلبها” وذلك بمسها بقرونها.
تقنيات حربية
يدافع النمل عن نفسه، باستخدام حمض الفورميك (النمليك CH2O2)، الذي يرشه (عن بعد خمسين سنتمتراً) على الحيوانات المفترسة عندما تهاجمه، مسبباً حروقاً مؤلمةً في أنوفها. كما يستخدم ذلك الحمض، كأثر يرشه على الطريق، ليستدلّ به على أعشاشه. ويمارس كل أساليب الحصار ومنع التموين، عن المملكة التي يريد محاربتها، معتمداً أحياناً، أسلوب الهجوم المباغت وبناء الجسور، للوصول بأسرع الطرق للعدو. ويطبق خلال معاركه، الكثير من الخدع الحربية، مثل نشر النبات والطعام السام، حول مستعمرات العدو. والنمل يهبّ لنجدة جرحاه خلال الحروب، حاملاً إياهم إلى مستعمراته للعناية بها.
طبيب نفسه
وكشفت دراسة حديثة لباحثين في جامعة هلسنكي، نشرتها مجلة (New Scientist) أن هناك نوعاً من النمل يدعى “فورميكا فوسكا”، عندما يصاب بفطر قاتل للنمل يدعى “Beauveria bassian”، يعالج نفسه باستخدام مادة “فوق أكسيد الهيدروجين”، تعتبر مادة سامة للنمل، في الأحوال الطبيعية. ولاحظ العلماء، أن هذه المادة تقلل معدل وفيات النمل بنسبة 15 في المائة.
عرف الزراعة قبل الإنسان
كان معروفاً قبلاً، أن بعض أنواع النمل تزرع الفطر لتتغذى عليه، خلال فصل الشتاء. ومؤخراً نشرت مجلة”nature plants” أن الباحثين في جامعة ميونيخ، اكتشفوا في جزر فيجي، نوعاً من النمل يقوم بجمع بذور ستة أنواع مختلفة من نبتة “سكواميلاريا Scutellaria ” الواسعة الانتشار، على تلك الجزر. ويضعها في شقوق جذوع الأشجار، فيعتني بها ويسمدها، لاستخدامها فيما بعد كمخابئ. وأشار العلماء، إلى أن النمل ومنذ ثلاثة ملايين السنين، يقوم بهذه الزراعة، أي قبل أن يعرف الانسان الزراعة.
يرفض العبودية
تشن أنواع من النمل (خمسون نوعاً من أصل 15 ألف نوع) كل صيف، نحو ست غارات على مستعمرات النمل، من فصائل أخرى. وفي كل مرة، يقتل نملاً بالغاً ويستعبد شرانقه، فينقلها إلى أعشاشه. وينقل معها الأسرى من كبار النمل، ليكلفها فيما بعد، بالعناية بتلك الشرانق، التي عندما تفقس، تجد نفسها أمام إحدى النملات الغازية، فتظن أن هذه هي ملكتها، فتخضع لأوامرها. وهكذا تجري عملية الاستعباد.
إلا أن النمل في البداية، يقاوم الغزاة المستعبدين. وحتى بعد استعباده، يعود ليتمرد ويحيك الخطط لكسر طوق العبودية، فيتحول من حاضن للشرانق، إلى وحش يمزقها. وينقل الشرانق الباقية من عشه ويضعها خارجاً حيث تفنى.