تسبّب النشاط البشري، الناتج عن الثورة الصناعية والتكنولجية، بتلوّث البيئة على الأصعدة كافة (هواء، ماء، تربة…إلخ). وبعد أن وصلت نسبة التلوث إلى معدلات مرتفعة عالمياً، كان لا بد من إيجاد الحلول التي تحمي هذه البيئة، من خلال العودة إلى الطبيعة. من هنا ظهر ما يعرف بـ”الإقتصاد الأخضر”.
ويشير مفهوم “الإقتصاد الأخضر”، إلى النشاط والنمو الإقتصادي، الذي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، مع مراعاة الحدّ من المخاطر البيئية وندرة الموارد الطبيعية. ويعرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الإقتصاد الأخضر بأنه “نظام من الأنشطة الاقتصادية، التي من شأنها أن تحسن نوعية حياة الإنسان، على المدى الطويل. من دون تعريض الأجيال القادمة إلى مخاطر بيئية، أو ندرة إيكولوجية خطيرة”.
نمو إقتصادي
نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تقريراً تحت عنوان “نحو اقتصاد أخضر: مسارات إلى التنمية المستدامة والقضاء على الفقر”، بيّن أن إستثمار إثنين في المائة فقط، من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنوياً، على إمتداد أربعة عقود (2010-2050) في الإقتصاد الأخضر، قد يحقق نتائج مذهلة، من حيث النمو الإقتصادي وفرص العمل والمنافع الإجتماعية. إلى جانب الحدّ من إستهلاك الطاقة والموارد، زيادة أرصدة الموارد المتجددة؛ وخفض التلوّث وإنبعاثات غازات الإحتباس الحراري.
ويتوّقع المحللّون والخبراء، أن يؤدي تطوير الإقتصاد الأخضر، وتغيير أنماط الإستهلاك غير المستدامة، إلى نمو إقتصادي في القطاعات العامة والخاصة، حيث يشكّل بناء الإقتصاد الأخضر، طريقاً نحو تحقيق التنمية المستدامة، التي تشمل التنمية الإجتماعية والبيئية والإقتصادية كلها.
الإقتصاد الأخضر عربياً
بحسب “الإسكوا”، تتضمن مكوّنات الإقتصاد الأخضر في المنطقة العربية، خدمات الطاقة، البنى التحتية، الحدّ من تغيّر المناخ وإلغاء الحواجز التجارية البيئية. ويضمن تأمين الوظائف الخضراء، الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، التكيّف مع تغيّر المناخ، خدمات المياه والبنى التحتية والإنتاج والإستهلاك المستدام.
من أهم القطاعات المعنيّة بالإقتصاد الأخضر، الطاقة البديلة، التي تعتمد على الطاقة الشمسية، المتوفرّة بكثرة وطاقة الرياح. ونظراً إلى شح المياه في العديد من الدول العربية، كالأردن واليمن، فإن بإمكان هذه الدّول تطوير قطاع إدارة المياه، من خلال برامج إعادة إستخدام المياه وجمع مياه الأمطار.
إدارة النفايات والنقل المستدام
أمّا بالنسبة إلى قطاع إدارة النفايات، الذي حصل على الكثير من الإهتمام، خصوصاً خلال الأزمة الأخيرة، التي تمثّلت في سوء إدارة النفايات في لبنان، فإن تطوير برامج توعية وتثقيف الناس حول إعادة التدوير ومعالجة النفايات السامة؛ والفوائد البيئية لهذه الممارسات، مع تطوير القطاع نفسه، قد يساعد في بناء إقتصاد أخضر. إذ وفقاً للبنك الدّولي، يتم كل عام إنتاج 1.3 مليار طن من النّفايات. لكن هذا الرّقم سيتصاعد إلى 2.2 مليار طن سنويّاً، بحلول عام 2025.
ويعدّ قطاع النقل المستدام، من القطاعات المهمة الأخرى، المعنية بالإقتصاد الأخضر، نتيجة مبادرات صناعة السيارات، التي تعمل جزئياً على الكهرباء (Hybrid) وتطوير وتحسين النقل العام في البلاد العربية.
أما قطاع إدارة الأراضي، الذي يهتم بالأراضي الزراعية، والزراعة العضوية وإعادة التشجير، فيعدّ من أهم القطاعات تأثيراً على البيئة، بشكل عام. ودوره في الإقتصاد الأخضر مهم للغاية.
أداء الدول العربية
وفق “الإسكوا”، تعتبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أهم أركان الإقتصادات العربية، كونها تمثل ما بين 80 و90 في المائة من المشروعات، في غالبية اقتصاديات المنطقة. كما أنها توفر جزءاً كبيراً من إجمالي فرص العمل. ولذلك، لديها الفرصة أن تكون الرائدة في مجال الإقتصاد الأخضر.
في المقابل، يظهر أداء البلاد العربية في مؤشر “الأداء البيئي”، الذي أصدرته جامعة Yale في الولايات المتحدة الأميركية، لعام 2016 ويشمل 180 بلداً، أن تونس هي الأولى عربياً، تليها المغرب والأردن والجزائر والبحرين، على التوالي. أمّا اليمن وموريتانيا وجيبوتي والسودان، فهي تحتل المراكز الأخيرة عربياً، على التوالي.
وبالنسبة لمؤشر “تلوّث الهواء”، الذي يدل على مدى نظافة هواء البلد، تمثّل موريتانيا المرتبة الأولى على الصعيدين العربي والعالمي، لأن نسب التلوّث فيها ضئيلة جداً. وفي المقابل، تعاني العراق والكويت ومصر من أعلى درجات تلوّث الهواء، على الصعيدين العربي والعالمي.
وفي سياق آخر، فإن مؤشر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل كيلو واط ساعة، يشير إلى تصدّر اليمن، موريتانيا، جيبوتي والسودان المراتب العالمية والدولية. وذلك قد يعود لتطور ونمو الطاقة المتجددة في هذه البلاد، إلى جانب عوامل أخرى، كإعتماد هذه البلاد على القطاع الزراعي أكثر بكثير من القطاع الصناعي.
مؤشر الأداء البيئي 2016