لا تسلم الأشجار من حريق أو تلوّث أو إعتداء. ورغم جذورها المغروسة في قعر الأرض وخضارها المزيّن لسواد الدخان الملوّث، هنالك من يسرق منها نومها!
ولمن لا يدرك أن الأشجار تنام ليلاً، فإن تلك الحقيقة، شكّلت محطّ جدل كبير لدى العلماء لإثباتها. وتوالت الدراسات في هذا المجال، إلى أن تم التثبّت منها في العام 2016.
وتشير إحدى الدراسات، إلى أن الأشجار تتدلّى أغضانها قليلاً في المساء، لتعود وتنتعش صباحاً. وللمرة الأولى قام فريق علمي دولي، من النمسا وفنلندا والمجر، بالبحث في تلك التغيّرات، التي تطرأ على الأشجار بين الصباح والمساء، باستخدام المسح بالّليزر.
وعبر تسجيل البيانات التي نتجت عن المسح الضوئي، لاحظ العلماء تدلّي أغصان الأشجار حوالى 10 سنتم في الليل. ثم انتعاشها عند الفجر؛ واستقامتها بشكل كامل، في الصباح.
الدراسة التي نشرت نتائجها في دوريةlivescience ، أظهرت خسارة الأشجار خلال الليل، ضغط المياه داخل خلاياها، تنفيذاً للظاهرة المتعارف عليها عند النباتات وهي “ضغط الإمتلاء”، فتحدث عمليّة تدلّي الأغصان لتريح الشجرة فروعها.
وأثبتت الدراسات المتتالية في هذا المجال، أن حياة البشر والنبات، تتشابه إلى حدّ كبير. وبالتالي، فإن ما يؤرق الإنسان قد يؤرق الأشجار.
واستكمالاً لتلك النتائج، أظهرت دراسة جديدة، أن أضواء الشوارع تسرق النوم من الأشجار ،في المناطق الحضريّة. الأمر الذي يسبّب احتضارها.
تنمو النباتات في دورات مكوّنة من 24 ساعة من الضوء والظلام. وبالتالي، فإن انتشار الإضاءة الإصطناعية، يعطلّ هذه الدورات، فالضوء يعطي النباتات معلومات حول التوقيت والموسم، حتى تدرك ماهية العمليات البيولوجية، التي يجب تنفيذها. ووجوده طوال الوقت، يعطّل المهمّة. وفي بعض الحالات، يكون الضوء ساطعاً جداً، الأمر الذي يؤثّر على النمو وتخصيص الموارد، وفقا للنتائج التي توصل اليها الباحثون.
المشرف على الدراسة، الخبير الألماني بيتر ولبن، مؤلف كتاب “الحياة الخفية للأشجار”، يؤمن أن الأشجار تربّي أطفالها، تتعرّق، تشعر بالألم وتتواصل في ما بينها. فشبّه تلك المزروعة في المدن الحضرية، بالأيتام الذين يضطرون للنمو، دون شبكة تدعمهم. مؤكّداً أن التلوّث الضوئي، يجعل الحياة في المدينة أكثر صعوبة. وأن تلك الأشجار، التي تعيش بالقرب من أضواء الشوارع، سوف تموت بشكل أسرع. ووجد الباحثون، أن الضوء الإصطناعي، قد يغير النمط السنوي للتزهير. وقد تكون له آثار كبيرة، على صحة الأشجار وعمرها وتكاثرها.
لم يطرح ولبن تلك الفرضيّة، دون طرح الحلول، فزراعة الأشجار باتت من أساسيات العمل البلدي وجمال المدينة. إلا أنه طرح فكرة إطفاء أضواء الشوارع، بحلول الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، للسماح بخلايا الأشجار القيام بدورها البيولوجي الطبيعي، من جهة وتوفير الكهرباء، من جهة أخرى.
لا تظهر هذه الدراسة تأثّر الأشجار بالأضواء الإصطناعية فقط، بل إن مجرّد طرحها وإثباتها، يدعو إلى التساؤل عن تغيّر نمط حياتها البيولوجيّة، إضافة إلى انعكاساتها على التنوّع البيولوجي، في محيطها.