في ظل الفلتان الأمني وانعدام الاستقرار في العديد من المناطق اللبنانية، ومع استمرار الانقسامات الداخلية وطغيان الشأن السياسي على ما عداه من أمور وقضايا، ومع تفاقم مشكلة النفايات المياه والكهرباء والتلوث وسلامة الغذاء والوضع الاقتصادي المتردي، وفي ظل ما يعانيه اللبناني من ويلات تبقى مسألة الدفاع عن الحيوانات الأليفة وتنظيم تربيتها وامتلاكها وفقا لضوابط وقوانين مسألة ترف في عرف البعض، علما بأنه لا يمكن استثناء أو تهميش هذه القضية المهمة ولا يمكن إهمالها لأن الحلول للمشاكل الاجتماعية لا يمكن ان تكون مجتزأة، ورقي المجتمعات يمثل حلقة متكاملة تدور في محور انساني عنوانه صون وحماية مختلف عناصر الطبيعة والمحافظة عليها دون استثناء.
بالرغم من وجود قانون حدد الجهات التي يحق لها إنشاء مراكز إنقاذ للحيوانات ولحظ ضرورة إقفال أي منشأة في حال مخالفة صاحبها لأي من أحكام القانون وتجريمه، إلا أننا شهدنا مؤخرا حالة تثير القلق، ففي ملجأ يحتضن ما يزيد عن مئة كلب ترك مصيرهم معلقا بعد غياب شخص يرعاهم، مما عرضهم للجوع والعطش والمرض بالاضافة الى نفوق خمس منها.
أسئلة وهواجس
هذه الحادثة أثارت جملة تساؤلات وهواجس نضعها برسم المعنيين، فمن يحدد الاشخاص أو الجمعيات المؤهلة لإنقاذ حيوانات الشوارع؟ وهل يكفي ان نجمع الكلاب الشاردة من الشوارع لنضعها تحت رحمة فرد واحد؟ ومن ثم ماذا كان سيحصل لـ 100 كلب لو لم يتدخل نشطاء وجمعيات الرفق بالحيوان في الوقت المناسب؟ ومن كان سيحاسب عن 100 كلب بينما عشرات الآلاف منها ضالة في الشوارع ؟ وعلى من تقع هذه المسؤولية؟ والى متى ستبقى الامور سائبة وبدون تنظيم؟
جمعية Green Area الدولية
في تفاصيل الحادثة، تواصلت قبل أيام عدة رئيسة جمعية “APAF” ثريا معوض مع “جمعية Green Area الدولية” وطلبت مساعدتها لجهة التواصل مع المعنيين للحصول على إذن دخول لعقار خاص في مثلث الزهراني قضاء النبطية، كان قد احتجز فيه حوالي الـ 100 بدون رعاية لغياب صاحبة العقار عنهم في ظروف قسرية.
وقد أكدت معوض استعدادها للمساعدة “بالتعاون مع الناشط في مجال حماية الحيوانات حسين حمزة الذي يتابع الامور على الأرض”، وبادرنا للاتصال بحمزة فأشار الى ان صاحبة العقار ناشدته التدخل لإنقاذ الكلاب، وقد أكد ان الامور قد حلت بعد ان تمكنت كل من “جمعية بيروت للمعاملة الأخلاقية للحيوانات” BETA ” و Animals Lebanon من التواصل مع رئيس البلدية الذي سمح له بفتح الباب والدخول الى العقار واتخاذ التدابير اللازمة لإنقاذ الكلاب.
حمزة: مساعدة أولية
وقال حمزة لـ greenarea.info: “توجهت في 21 حزيران الى العقار، وقمت بفتح الباب الرئيسي والدخول إليه مع بعض العاملين معي، بعد أن سمح لي رئيس بلدية الزهراني محمد سميح غدار بالدخول مشكورا على مساعدته وتعاونه”، وتابع حمزة: “وجدنا الكلاب بحالة يرثى لها من الجوع والعطش وقد نفق خمسة منها،كما وقد حضرت السيدة ثريا معوض وأخذت 15 عشر جروا، وعرضتها للتبني ووعدت بتقديم أجرة عامل لشهر، كما حضر ناشطون من جمعيتي Beta و Aminals Lebanon، وقد قدمت الاخيرة مساعدة أولية عبارة عن أكياس طعام وستقوم الجمعيتان بترقيم الكلاب وإعطائها اللقاحات والادوية اللازمة وكل ما يختص بالعناية الطبية في الايام المقبلة”.
وأضاف حمزة: “لن أتمكن بمفردي من مساعدة 100 كلب، فأنا أرعى بالاضافة لهذه الكلاب حوالي الثمانين كلبا في موقع آخر، وما تبرعت به الجمعيات من غذاء شارف على النفاد، وتلقيت ايضا بعض المساعدات العينية، ولكن هذه الكلاب بحاجة لعامل دائم وعناية متواصلة، كما انني بحاجة لمتطوعين للعمل على تنظيم المكان وتأمينه لاحتضانها، وللراغبين يمكنهم الحصول على كلب بدل شرائه”.
وناشد حمزة “جميع المهتمين التواصل معه بشأن تقديم المساعدات على رقم هاتفه الخاص 0096178872507”.
وطلب من “محبي الحيوانات وجمعيات الرفق بالحيوان والراغبين بالحصول على كلب وتبنيه، فكل الكلاب يمكن أن يقتنيها الشخص، بشرط رعايتها الطبية والعناية بها، وعدم إهمالها، ومتابعة الأمر من قبل الجمعيات للتأكد من معاملة الحيوانات بطريقة حسنة، والعمل على تعقيمها، حتى لا تزداد أعدادها ونكون أمام مشكلة كالتي نشاهدها اليوم”.
معوض: لإيجاد متبنين
رئيس جمعية Animals Pride And Freedom APAF ثريا معوض قالت لـ greenarea.info: “كان العمل ممتازا رغم الحالة المأساوية التي وجدنا فيها الكلاب، وقد حضرت ومتطوعين الى المكان صباحا وشاركنا بإنقاذ هذه الحيوانات، وقمنا بدفن خمسة منها كانت قد نفقت، لكننا الآن امام مرحلة اصعب، وهي رعاية هذه الكلاب، بالاضافة الى مرحلة التبني وكيفية ايجاد عائلات ترعى هذه الكلاب ضمن الشروط التي نفرضها في متابعتها بصورة دورية حرصا على سلامتها ومنع المتاجرة بها”.
وتابعت: “وضعنا اعلانا على صفحتنا بتحويل اي مساعدات لكلاب النبطية الى حسين حمزة وسنتكفل بأجر عامل لشهر مبدئيا، وبما اننا لا نستطيع احتضان عدد كبير حاليا من الكلاب، اخذنا 15 جروا وعرضناهم للتبني، وسنبقى على تواصل مع حمزة لتقديم ما نستطيعه في هذا المجال”.
ودعت معوض “الجمعيات التي ساعدت معنا الى تنظيم رعاية ما ترك على عاتق حمزه من خلال زيارات ومساعدات اسبوعية، واجراء عمليات تعقيم واعطاء لقاحات للكلاب وفقا لإمكانياتهم وقدراتهم”، وشددت على “ضرورة ايجاد متبنين، الامر الذي من شأنه ان يخفف من هذا العبء”.
شعراوي وحسيني: عمل شاق وصعب
وقالت كل من ماغي شعراوي من جمعية Animals Lebanon وإيلينا حسيني وهي نائب الرئيس في “جمعية بيروت للمعاملة الأخلاقية للحيوانات BETA Beirut for the Ethical Treatment of Animals خلال محادثة هاتفية مشتركة مع greenarea.info: “في هذه العملية قمنا بتسهيل إذن فتح أبواب العقار من خلال التواصل مع رئيس البلدية، ليتمكن حمزة من الدخول وتقديم الماء والغذاء بصورة اولية للكلاب المحتجزة، علما أنه ليس لدينا القدرة والامكانيات البشرية الكافية لوضع متطوعين مع حمزة على الارض نظرا للأعداد الكبيرة التي نرعاها في ملاجئنا، لذلك قمنا وسنتابع في المساعدة من خلال تقديم المزيد من الغذاء والدعم، خصوصا وأن هكذا عمل يعتبر مشروعا وأكبر من امكانية جمعية او أفراد، نحن نتحدث عن 100 كلب مريض، وهم حتما بحاجة لمساعدات على مستوى دولة”.
واكدت الجمعيتان أنهما على تعاون منذ سنوات في الكثير من القضايا، ولديهما تقارب في وجهات النظر والرؤية، وهما يعملان على معالجة المشاكل التي تتعرض لها الحيوانات من خلال إرساء مشروع قانون ينظم عمل الملاجئ والتراخيص الممنوحة من قبل البلديات بطريقة عشوائية، ويفرض شروطا ومعايير محددة تمنع من حدوث مثل هذه الحالات مسبقا، علما بأن القضية هي اكبر من قضية 100 كلب، فهناك الآلاف منها تتعرض يوميا لشتى الانتهاكات في مختلف المناطق اللبنانية، وضبط هذا الوضع بوجود ثلاث جمعيات فقط ضاقت ملاجئها بأعداد الحيوانات التي ترعاها وبأقل الامكانيات وبدون قانون، هو حتما عمل شاق وصعب ولا يمكن الاستمرار به دون مساعدات وتبرعات خارجية”.