لا تشكل النفايات ولا حتى مياه الصرف الصحي، مصدر التلوث الأساسي في لبنان، فهذه المواد نتيجة وليست سبباً. أما مصدر التلوث وإنتاجه الفعلي، فهو في مكان آخر يعرفه اللبنانيون حق المعرفة، يعانون منه ويحاولون التخلص منه بوسائل شتى، من دون نتيجة حتى الآن.

ولو قيض للبنان إدارة صادقة و”نظيفة” لجرت معالجة مشكلات التلّوث البيئي، بأقل قدر من الكلفة. لكن، لأن التلوث في لبنان سياسي، يرتبط بفساد الحكّام، بل بكل الطبقة السياسية الحاكمة، المتواطئة في تغطية فساد بعضها البعض ومنع تطبيق القانون بحق الفاسدين، لذلك، تم إطلاق سراح الفنانة أصالة، بعد ثلاث ساعات فقط على اعتقالها، متلبسة بحمل كمية من المخدرات في حقيبتها اليدوية، خلال سفرها من مطار بيروت الدولي، إلى العاصمة المصرية القاهرة.

الملفت أن الإعتقال المؤقت لأصالة، ذكّر اللبنانيين بـ”أمير الكبتاغون” السعودي، عبد المحسن بن وليد بن عبد العزيز، المنتمي الى العائلة المالكة السعودية، الذي ضبطت معه الأجهزة الأمنية اللبنانية في مطار بيروت الدولي، كمية ضخمة من المخدرات، بمشاركة 4 سعوديين آخرين، كانوا يحاولون تهريب كمية من “الكبتاغون” قدرت بنحو 1900 كلغ، تحتوي 12 مليون حبة مخدرة، تبلغ قيمتها نحو 280 مليون دولار؛ على متن طائرة خاصة كانت متوجّهة إلى منطقة حائل في السعودية. فكان اعتقاله حدثاً بحد ذاته، جرت أثره محاولات عدة لإطلاقه بصفقات دسمة، فمثله فوق القانون، إذ أنه يعيش في “سجن” خمسة نجوم، في غرفة خاصة بمبنى مكتب مكافحة المخدرات، فُرِزت له، مزوّدة بكل وسائل الراحة، بناء على توصية سياسية سببها تدخلات من سفارة بلاده للحرص على “إقامة مميزة” لابن العائلة المالكة. والغرفة، حسب معلومات تداولها الإعلام، مزودة بجهاز رائي وهاتف. كما أن طلبيات “الديليفري” تنقل الطعام يومياً إلى غرفة “الأمير” المزوّدة بجهاز تبريد.

ويبدو أن تعقيدات إعتقال “الأمير” والفشل في إطلاقه، دفع المعنيين بالرعاية السياسية لأصالة، التي تصنف نفسها من رموز المعارضة في سورية، إلى الإسراع في إطلاقها، بما يشبه التهريب، قبل أن يتنبه الإعلام والخصوم ويصبح إعتقالها أمراً واقعاً. فأصالة أوقفت في المطار وجرى إخلاؤها بعد حوالى 3 ساعات، علماً أن يوم اعتقالها كان الأحد (عطلة رسمية)، أي أن القاضي ألغى إجازته وسابق الزمن لإطلاقها، حتى لا تنام أصالة في السجن، أو في غرفة التحقيق، على الرغم من أن فحص لعابها أعطى نتيجة إيجابية، أي أنها تتعاطى المخدرات.

والفضيحة ألأكثر دوياً، أن إطلاقها تزامن مع تصريحات رسمية لكبار المسؤولين اللبنانيين، إحتفاءً منهم باليوم العالمي لمكافحة المخدرات.

الوزير السابق وئام وهاب غرّد عبر موقع “تويتر” قائلاً: “بشرى للمعارضين السوريين في لبنان، بإمكانكم حيازة المخدرات وكلود كرم يتكفل بإخلائكم”.

واضاف: “هناك مئات اللبنانيين المرميين في السجون، لأنهم ضيفوا رفاقاً لهم سيجارة حشيش. وأصالة يتم إخلاؤها خلال ساعات. وهي تحمل كمية كوكايين”.

في هذا الوقت، تذكّر اللبنانيون في تغريداتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، الحاجة خديجة أسعد (78 عاما) المريضة بالسرطان، التي تم توقيفها لمدة خمسة أيام في مخفر الدرك في الدوير، منذ أشهر قليلة، بتهمة بناء خيمة من دون رخصة، على سطح منزلها في بلدة النبطية الفوقا. وطالب كثيرون، حينها، بفتح تحقيق عاجل في قضية توقيفها باعتبارها وصمة عار على جبين القضاء اللبناني.

هذه الوقائع ليست إلا غيض من فيض إرتكابات وفساد الطبقة السياسية، التي لم تتوانى عن “طمر” لبنان واللبنانيين بالنفايات لأكثر من ثمانية أشهر، منذ عامين، حتى يتسنى لها إسكات أصوات الإعتراض على صفقات تلزيم كنس النفايات وجمعها والتخلص منها. وكذلك، ريثما يتفق أصحاب الشأن على الشركة المحظية التي رست عليها الصفققة.

ولا يخلو قطاع في دولتنا العلية من تلوث بالفساد السياسي ومن تواطؤ علني ووقح، يتستر على السارقين ويحميهم. وإذا كان الحديث عن وقائع هذا التلوث السياسي يحتاج كتباً وليس كتاباً واحداً، فإن التذكير ببعضها ضروري، خصوصاً ما هو عالق منها ولم يبت به بعد، مثل فضائح مؤسسة “أوجيرو” وأولها فضيحة “ألأنترنت” والإتصالات غير الشرعية. وفضيحة الثلاثمائة ألف طلب خط هاتفي، التي تقدّم بها اللبنانيون ولم تتم تلبيتها من قبل “أوجيرو”، خدمة لأصحاب شركات الاتصالات غير الشرعية. وهي فضيحة لم تتم محاسبة مرتكبيها، خصوصاً، أن أصابع الإتهام وجهت حينها، إلى صهر وزير سيادي في ذلك الوقت؛ وإلى ابن شخصية عسكرية كبيرة. في وقت تجمع الأوساط السياسية على أن من حمى عبد المنعم يوسف (مدير “أوجيرو” السابق) طوال الفترة الماضية، هو الرئيس فؤاد السنيورة، الذي بدوره، ما يزال يمتنع عن تقديم كشوفات بأحد عشر مليار دولار، صرَفها خلال وجوده في رئاسة الحكومة.

وهذه التغطية على الفضائح، حدثت أيضاً مع مديرية قوى الامن، التي قررت في وقت سابق، رفض السماح بالتحقيق مع ضباط يمكن أن يساعدوا القضاء في ما لديهم من معلومات، في ملف إختلاس أموال المتقاعدين، الذي إتّهم فيه ضباط كبار ورتباء وأفراد. ولم يُشَر أبداً إلى مبالغ تم استردادها من مختلسيها.

وفيما ينشط تجار السلاح والمخدرات بكل إطمئنان، يغيب أي كلام رسمي عن فضائح الكهرباء. ولا تهتم الأصوات لوصول الدين العام إلى حدود المائة مليار دولار أميركي، ما جعل لبنان “الدولة الأكثر فساداً” في المنطقة، حسب تقرير “منظمة الشفافية الدولية”. وهذا تظهير لواقع يعاني منه اللبنانيون، الذين يشترون مياه الخدمة والشفة، في حين تفيض الشوارع في الشتاء بمياه الأمطار، في تأكيد على أن الفاسدين في لبنان ما يزالون هم أصحاب اليد العليا.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This