ما تناولته أمس مواقع تواصل في ما خص قتل مزارع لضبع في حاصبيا يؤكد أننا نعيش أزمة ثقافة ووعي، أما تسابق الكثير من وسائل الإعلام لتسجيل أعلى نسب من المشاهدات فأسقط بعضها في مستنقع الهزل والسخافة والترويج لما هو مضلل وغير صحيح، من خلال تبني نشر شائعات وتعميم أخبار تثير الريبة والقلق لدى المواطنين، وتهدم كل ما هو مستند للحقائق العلمية التي عمل عليها خبراء وعلماء بجهد لسنوات طويلة.
في هذا السياق لم تفصل بعض وسائل التواصل الاجتماعي بين الموروثات التي يتناولها عامة الناس والحقائق العلمية، كما وسمحت لنفسها بأن تكون محامي القاتل وتبرر له قتل الحيوانات اللاحمة من الضباع وابن آوى، معللة ذلك أنها حيوانات مفترسة ومهاجمة، وهذا غير صحيح، فقد أجمع العلم على أن هذين النوعين تحديدا هما من الحيوانات اللاحمة وتتسم بالجبن ولا تهاجم بل تدافع عن نفسها في حالات محددة جدا، أي عند تهديد حياتها والاعتداء عليها .
مواقع التواصل الاجتماعي
في هذا السياق، انتشر الخبر الذي تناقلته الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، وجاء فيه أن “معركة شرسة نشبت بين المزارع (ص. ش) وضبع هاجمه في وادي نهر الحاصباني، إستمرت حوالى نصف ساعة، إنتهت بمقتل الضبع ونجاة المزارع، الذي إقتصرت إصاباته على خدوش في أنحاء جسده، خلفتها مخالب الضبع القوية”، وقال المزارع (ص. ش) إنه “خلال قيامه بري بستانه، شاهد الضبع يتجه نحوه من مسافة لا تزيد عن عشرة أمتار، فسارع إلى رميه بحجر لإبعاده عنه، لكن الضبع هاجمه، ليبدأ عراك قوي بينهما تمكن خلالها من الايقاع به بعد ان التقط عصا وضربه بها وقتله.
أبي سعيد: ابن آوى وليس ضبعا
في هذا المجال، وكموقع بيئي مختص يدحض الموروثات الشعبية التي لا تمت للعلم بصلة، كان لا بد للوقوف على الرواية بشكلها العلمي لتصويب الامور ووضعها في نصابها الصحيح، علما أن الدراسات العلمية حول الضبع اللبناني المخطط تشير إلى أنه من أفضل الحيوانات الصديقة للبيئة والمفيدة للإنسان، وإحدى أهم هذه الدراسات أعدها الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية – قسم العلوم البروفسور منير أبي سعيد، وقد اتصل به greenarea.info لهذا الغرض والوقوف على حقيقة الأمر، وحين إطلاعه على صورة الفريسة فجر ابي سعيد مفاجأة غاب عنها من هم مسؤولون عن تقديم الحقيقة للناس، فقال أبي سعيد “إنه إبن آوى وليس ضبعا” هذا الأمر الذي يؤكد أننا أمام مسؤولية تقصي الحقائق قبل تعميم الاخبار، وقد حدد أبي سعيد لـ greenarea.info نوع الضحية قائلا هو ابن آوى ويعرف بالانكليزية بـ Jackal، هو من الحيوانات اللاحمة التي تقتات على الجيف واللحوم وأحيانا النباتات”.
وقال أبي سعيد: “من المتداول والمعروف في مجتماعتنا تشبيه الانسان الجبان بـ (الواوي) الامر الذي يؤكد انه جبان بطبيعته ولا يهاجم الا في حالات استثنائية يدافع فيها عن نفسه ليلوذ بالهرب”، كما أشار الى انه “منتشر شأنه شأن الثعالب والنمس في مناطقنا واعداده غير مهددة بالانقراض، خصوصا وأن هذه الحيوانات تأقلمت مع التمدد العمراني وحركة البشر، إلا انه اذا بقي مستهدفا من قبل الانسان بشكل كبير فسيؤدي ذلك حتما الى انخفاض أعداده وبالتالي انقراضه، وهذا الامر في حال حصوله سينعكس تهديدا على الحياة البرية لكونه حلقة مهمة في منظومتنا البيئية، وفقدانها له تداعيات خطرة منها انتشار النفايات التي تسبب الاوبئة والامراض، وتؤدي الى ازدياد القوارض والحشرات والخنازير البرية التي تهدد الأراضي والمحاصيل الزراعية.
يونس: اللواحم حجر زاوية النظم البيئية
رئيس جمعية الجنوبيون الخضر الدكتور هشام يونس، قال لـ greenarea.info “في جمعيتنا نولي اللواحم من الذئاب وبنات آوى والثعالب والضباع إهتماماً خاصا باعتبارها رأس السلسلة الغذائية وحجر الزاوية في النظم البيئية وهو موضوع مبدأ “حفظ وإستعادة البرية” المركزي في الجمعية، وتعرضها المتواصل للقتل العبثي بالإضافة إلى إنحسار موائلها بات يهدد وجودها”.
ورأى أن “انقراضها عن الحياة البرية في لبنان سيشكل كارثة بيئية كبرى يصعب معالجتها، وهو ما سيخلف آثاراً خطيرة على توازن وتنوع النظم البيئية البرية والذي يرتبط بشكل وثيق أيضاً بحيوية الغابات المتبقية في لبنان، النموذج الأخير المتبقي من البرية اللبنانية، ويهدد ما تمثله من رئة وخزان مائي لمحيطها القريب والمتوسط والبعيد تبعاً لحجم الغابة، ولوفرة الماء وجودة التربة ومستويات التلوث في الهواء والتراب والماء، وهو بالتالي يطاول الإنتاج الزراعي وجودته وهذا بدوره ينعكس على المجتمعات المحلية ويقوض فرص تنميتها”.
وأكد يونس أنه “من دون فهم هذا الترابط الحيوي بين الإنسان ومحيطه البيولوجي لن نستطيع التأسيس لمجتمع نامٍ ومستدام”، ودعا إلى “العمل بشكل جدي لحفظ هذا التنوع وإتخاذ إجراءات جادة للوقوف في وجه التفلت والقتل المتعمد وبإمكان القضاء اللبناني أن يلعب دوراً أساسياً في مواجهة التعديات من خلال التشدد في العقوبات بحق المتعدين على البيئية والحياة البرية وحيواناتها”.
وختم يونس: “من مسؤولية وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام العمل على التعميم لدى وسائل الإعلام المختلفة بتحري الدقة والإمتناع عن نشر الشائعات حول هذه الحيوانات الحيوية أو تقديم المعتدين “كأبطال” بل كمجرمين بحق البيئة، ومراقبة أدائها في هذا المجال”.