تبقى الدلافين واحدة من أجمل الكائنات الاجتماعية، لا بل أكثرها ذكاءً. وهي ضمن عائلات تسمى “قبائل”، إلا أن أعدادها أنخفضت وهاجرت بحرنا إبّان الحرب، نتيجة تعرضها للقتل المتعمد وإصابة بعض أفرادها بالديناميت، الأمر الذي يسبب هجرة قبيلة بكاملها، بالإضافة إلى انخفاض عدد الاسماك التي تعتبر من أهم مصادر غذائها، فضلاً عن التمدد العمراني، ردم البحر واستعمال شباك الجرف ،التي تعلق فيها وتتسبب باختناقها ونفوقها، ما يتسبب بعداوة غير مقصودة، في بعض الاحيان، بين الصياد والدلافين.
مشاهد مفعمة بالجمال
هذه الكائنات الرائعة، ذكية أيضاً ولديها لغتها الخاصة المكونة من 32 صوتاً. فهي تطلق أصواتاً مرتفعة وتستقبل صداها، بهدف تحديد اتجاه وبُعد الأشياء من حولها. كما تستخدم ذلك، من أجل البحث عن الطعام والسباحة في البحر. وهذا يعني، أنها تستخدم صوتها لتحديد الاتجاهات. والدلافين ودودة، بالاضافة إلى أنها من أجمل الكائنات البحرية. وتلك الموجودة في لبنان، تتمتع بنظام تخاطب في ما بينها؛ وكذلك، بنظام توجيه راداري يشبه السونار، تستشعر من خلاله الخطر حين يحيط بها.
مشاهد مفعمة بالجمال، مثيرة للدهشة، تبعث على الأمل والحياة، هذا ما شعرنا به حين شاهدناها في الشريط المصور، الذي زودت به greenarea.info المواطنة جويل لبكي. وقد ظهرت وهي تلهو غير بعيدة عن الشاطىء اللبناني، الذي بات عرضة للتلوث والفساد. ليتأكد لنا، من خلال اللحظات الاستثنائية التي عاشها محبو ارتياد البحر، أن ثمة مسؤولية كبيرة للحفاظ على هذه الكائنات الرائعة، المدرجة على قائمة الحيوانات البحرية، الممنوع صيدها أو التعرض لها. والتي وقّع عليها لبنان أيضاً، في العام 2004.
لا أهمية له في الصيد
يوضح إختصاصي البيولوجيا والعلوم البحرية والاسماك الغازية، في الجامعة الأميركية في بيروت، البروفسور ميشال باريش، لـ greenarea.infoأن “هذا النوع هو من عائلة الدلفينيات DELPHINIDAE، واسمه العلمي Stenella coeruleoalba، يطلق عليه بالعربية إسم الدلفين الأزرق والأبيض. ويعرف بالإنكليزية باسم Striped dolphin. يترواح طوله بين 1.7 إلى 2.7 متر، كحد أقصى”.
ويضيف: “يتميز هذا الدلفين، من حيث الشكل، بلون بطنه الأبيض؛ وباقي جسمه، بين رمادي تشوبه زرقة ورمادي فاتح. وبمنقاره الطويل نسبياً. يعيش بعيداً عن الشاطئ، يرتاد المياه الساحلية أحياناً. وهو حيوان ولود”.
يتابع باريش: “يُشاهد في مجموعات كبيرة من أفراد عدة، يتغذى على رأسيات الأرجل والأسماك البيلاجية”. ويرى أن “لا أهمية له في الصيد”. ويضيف: “يقع فريسة الشباك المشربكة، أو المبطنة، لا سيما الشباك الإنسيابية. ونادراً في شباك التحويق الجيبية. يباع بصورة غير شرعية في بعض مناطق الاستهلاك البشري. ويقتل عمداً أحيانا”، ويلفت إلى أنه “يعيش في البحر الابيض المتوسط. ينتشر في المياه المعتدلة وشبه المدارية. ويتواجد في جميع المحيطات”.
مسؤولية حمايته
جويل لبكي وثقّت مشاهد رائعة لمجموعات من الدلافين. وخصت موقعنا بشريطين مصورين وبعض الصور. تقول، إنها “ليست المرة الاولى التي يحالفها الحظ فيها، لمشاهدة هذه الكائنات اللطيفة”. وإنها وعائلتها، إستطاعوا رصد الدلافين مراراً وتكراراً. وأصبح لديهم خبرة في التعاطي معها وجذبها نحوهم”.
تضيف: “قبل أيام ظهر إثنان منها، أثناء رحلتهم البحرية بالقرب من منطقة الاوزاعي. واختفيا سريعاً”. وتشير لبكي إلى أنها تلتقي بمجموعات من الدلافين بأحجام وأعداد مختلفة، منها الصغير والكبير، في المنطقة المقابلة لمرفأ بيروت.
وتتابع: “بقيت في المياه، على امتداد واسع وبشكل مذهل، لنحو ساعتين، تقوم بحركات إستعراضية مثيرة. وكان من الواضح، أن الدلافين ليست غريبة عن المنطقة. كانت تتبادل الأصوات بطريقة ذكية، في ما بينها. وتظهر وتختفي فجأة”.
وتشير إلى أنها لم تستغرب وجودها، فأول مرة التقت بها في البحر كان قبل عامين. تضيف: إن هذا الأمر “يرتّب علينا مسؤولية حمايتها وكيفية التعاطي معها، من خلال نشر الوعي في مجتمع رواد البحر والصيادين. ونشر المعلومات الوافية عن هذه الكائنات الجميلة جدا”. وتلفت إلى أنه في اليوم التالي، لحظت أيضاً “مجموعة دلافين على عمق أكثر من ثلاثة كيلومترات، كانت ترافق باخرة كبيرة بحركات إستعراضية مذهلة، ما لبثت أن عادت نحو العمق، بعد أن وصلت الباخرة إلى مكان قريب من المرفأ”.
حملة الازرق الكبير
في هذا السياق، يذكر أن “حملة الازرق الكبير”Operation Big Blue عملت جاهدة منذ سنوات، على حماية الدلافين الموجودة في لبنان، من خلال طلعات لتفقد الدلافين مرتين في الاسبوع؛ والعمل على نشر التوعية.
ويذكر أيضاً، أن الحملة حريصة على حماية الحياة البحرية ولا تعلن عن مناطق تواجد الدلافين، حرصاً منها على حياتها وعدم تعريضها للخطر، نظراً لنسبة الوعي المتدني عند البعض؛ وعدم توفر معلومات عن هذه الكائنات، بمتناول الناس.
وتلفت الحملة مراراً وتكراراً، إلى أمر هام، هو أن هذه الكائنات في حال تعرضها للأذية، من أي كان، تقوم برد فعل إنتقامي في أول فرصة.