لا نعرف على وجه التحديد تصوير ظاهرة بيئية إعتيادية، على أنها ظاهرة مقلقة؟ هل ثمة من يهوى التهويل؟ وما الغاية من إثارة مخاوف مرتادي البحر مع هذا الحر القائظ؟ أم أن ثمة إستسهالاً في مقاربة ظاهرة طبيعية، لحصد سبق صحافي ولو على حساب موسم السياحة الصيفية؟
هذه الأسئلة لها ما يبرر طرحها في هذا الوقت بالتحديد، مع تضخيم قضية وجود قناديل البحر على إمتداد الساحل اللبناني، خصوصاً، أن هذا موسمها وليس ثمة ما يستدعي القلق والهلع، فقنديل البحر، هذا الزائر المزعج، لم يكن يوماً غريباً عن بيئتنا البحرية. والنوع الغازي الذي ينتشر في هذه الفترة، أصبح مستوطناً منذ زمن. كما أن القناديل تعتبر جزءً من المنظومة البيئية البحرية.
إيكولوجية شرق المتوسط
تجدر الإشارة في هذا المجال، إلى أن قناديل البحر، تعاود انتشارها للمرة الثانية هذا العام، بعد أن حلّت ضيفا ثقيلاً على إمتداد البحر اللبناني، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، في كانون الثاني (يناير) من هذا العام 2017، حين إنتشرت في غير موعدها المفترض، بين حزيران (يونيو) وآب (أغسطس) من كل عام. واللافت للانتباه ، بحسب رواد البحر والصيادين، أن “الأعداد كبيرة تماماً، كما إختلاف الأحجام التي شهدناها في الشتاء”. وكنا أثرنا في greenarea.info جملة من التساؤلات حينها، حيال سبب ظهورها في طقس بارد، من دون الوصول الى إجابات واضحة ومحددة، إزاء ظاهرة إنتشارها بكثرة في كانون الثاني (يناير) الماضي.
كذلك، ليس ثمة سبب واضح يمكن الركون إليه، في مقاربة هذه الظاهرة علمياً، فكثير من الدراسات تتناول الظواهر الطبيعية كافة، لكن إلى أن تقدم لنا الدراسات أجوبة واضحة ومحددة، لاحقاً، يبقى الإحتباس الحراري، تغير المناخ، النشاط البشري والصيد، في دائرة الاتهام. فضلاً عن سبب واضح ساهم في وصول هذا النوع، هو فتح قناة السويس، فعبرت سابقاً من البحر الاحمر إلى البحر الابيض المتوسط واستوطنت فيه. وهذا يعني، أنها أصبحت مقيمة ولا تغزو بحرنا كل عام ،عبر قناة السويس، كما يحلو للبعض أن يستنتج ويروج. لا بل تحولت جزءً من النظم الإيكولوجية في شرق البحر المتوسط.
وما يثير الإهتمام في موضوع القناديل، أنها تتسم بأحجام كبيرة جداً وأخرى صغيرة كذلك. كتلك التي شاهدناها في فصل الشتاء، مما يدعو إلى الوقوف على سبب هذا التفاوت في أحجامها.
وما يهمنا في هذا المجال، هو التأكيد لرواد البحر، أن القناديل ليست بوافد جميل أو محبب، فلسعاتها تعيق السباحين وتشكل عبئاً على الصيادين، فهي تعلق بشباكهم وتؤثر على مصدر عيشهم. وأحياناً، تجذبها تيارات البحر إلى محطات توليد الطاقة، فتتسبب بإنقطاع التيار الكهربائي. لكن ما يطمئن، أن فصل بقائها لن يطول. هي ظهرت في وقتها المعتاد وستختفي كما كل عام، بعد مدة.
جميع القناديل تلسع
وكما العادة، تكثر التحليلات غير المنطقية، على مواقع التواصل الاجتماعي. وتكثر أيضاً، التعليقات غير المستندة إلى العلم. لذلك، التقى greenarea.info إختصاصي البيولوجيا البحرية والحيوانات الغازية، البروفسور ميشال باريش، الذي يحدد نوع القناديل المنتشر هذه الأيام، على الشاطىء اللبناني، فيقول إنها “من نوع Rhopilema nomadica. تظهر عادة في فصل الصيف من حزيران (يونيو) حتى آب (أغسطس). وتظهر مجموعات قليلة منها في الشتاء. وقد شهدنا مطلع هذا العام انتشاراً واسعاً لها”.
يضيف: يبدو أن فصل تواجدها أصبح طويل المدة، بسبب تغيير المناخ وعوامل أخرى نجهلها. لذلك، بدأت تأتي بوقت مبكر وترحل في وقت متأخر، للأسباب نفسها”. ويلفت إلى أنها “لا تتوجه نحو الشواطئ من تلقاء نفسها، بل يدفعها التيار باتجاهه.
ويتابع: قناديل البحر عموماً، تنتمي إلى مجموعة القارصات، لسعتها سامة جداً، تسبب ألماً يشبه ألم الحروق. كما تسبب إحمراراً في الجلد يدوم ساعات عدة. وفي أصعب الحالات، تتسبب ببثور وإرتفاع في الحرارة. وهذا يعتمد على عدد الخلايا اللاسعة التي أصابت الإنسان. كما يعتمد على مدى حساسيته والمكان المصاب.
وبحسب باريش، “كبيرة كانت أم صغيرة، جميع القناديل سامة وتلسع. ولكن بعض الأنواع لا يمكنه أن يلسع الإنسان ويخترق جلده، لكنه يصطاد ويقتل الحيوانات الصغيرة واليرقات عبر لسعها. وبالنسبة إلى الإنسان، الأمر يتوقف حسب الّلسعة وحسب الشخص وحساسيته. وأغلب الأشخاص يتحملون جيداً السم، لكن بعضهم يضطر للعلاج في المستشفى، كما هو الحال بالنسبة للسعات النحل”.
في المتوسط إستقرت وتتكاثر
ويرى باريش أن “لأغلب أنواع القناديل دورة حياة يجهلها الكثيرون ومراحلها ثابتة: مرحلة (البوليب) الذي يتكاثر بطريقة الانقسام ومرحلة الإنتقال إلى قنديل بحر كامل. ويتم الإخصاب بين جنسين منفصلين عن بعضهما، خلايا الحيوانات المنوية والبويضة تنبعث نحو الماء، ثم تنقسم البويضة المخصبة وتشكل (يرقة) لديها القدرة على السباحة، حتى تلتصق بقاع البحر. يبدأ القنديل في هذه المرحلة، بتغيير مبنى جسمه وببناء أذرع الصيد، ثم يصبح البوليب (سليلة)، ينمو ويتغذى على كائنات صغيرة، مثل العوالق. وفي ظروف بيئية ملائمة، ينقسم البوليب بطريقة أفقية وينفصل عنه القنديل على شكل جرس صغير، لا يمكن رؤيته بالعين المجردة. في هذه المرحلة، ينطلق في البحر، يسبح ويتطور ليصبح قنديلاً كاملاً خلال أسابيع، فيصل إلى مرحلة البلوغ ويتكاثر جنسياً. ويعيش قنديل البحر بعد التكاثر، بضعة أشهر ثم يموت”.
ويشير إلى أن “القناديل المتنقلة ليست سوى جزء من غزو لعشرات الأنواع الآتية من البحر الأحمر، في أواخر سنة 1970، إاستقرت في المتوسط وتكاثرت بسرعة”. ويلفت إلى أن “هذه القناديل تكون ملجأً آمناً لبعض الأنواع من الأسماك (مثل التريخون الأصفر) التي تختبئ بين الخلايا اللاسعة، تحسباً من مهاجمة أسماك أخرى لها. وجسم القنديل عبارة عن كيس شفّاف، يشبه المظلة، أو الجرس، لا رأس له. في أطراف المظلة أو الجرس، أعضاء تحفظ توازنه”.
مصدر الصور: المصور حسين نور الدين