يسعى البشر في هروبهم من المدن المزدحمة وهوائها الملوث، للعودة إلى الطبيعة الأم والإبتعاد عن كل ماهو دخيل على شكل الحياة الأولى، التي وجدت على الكوكب، منذ الأزل، من خلال العيش في أحضان الطبيعة الخضراء البكر، قرب صوت إنسياب النهر وزقزقة الطيور، في مساحة لم يشوّهها الزحف المدني، الذي حوّل العالم إلى مركز تجاري كبير، يعجّ بالناس، كما بالأمراض.

من هنا ولدت فكرة “القرى البيئية”، التي تتميز بأن كل شيء فيها طبيعي، لاينتج أي شكل من أشكال تدمير الوسط الحيوي.

تهدف “القرى البيئية” للإستدامة الأيكولوجيه، الإجتماعية والإقتصادية، من خلال إستخدام كل ما هو طبيعي خالص، بدءً بأجهزة الطاقة المتجددة والمستدامة، كالسخانات الشمسية والأنظمة الكهروضوئية. ولإبداع طرق وأشكال محلية لتوليد وإستغلال الطاقة النظيفة، في كل مجالات الحياة، بهدف تجاوز الصعوبات التي يواجهها قطاع الطاقة في العالم، مروراً باستخدام وسائل النقل الصحية (الدراجات الهوائية والخيول)، وصولاً إلى نظام التغذية السليم ونوعية الغذاء الصحي (غذاء عضوي).

في “القرى البيئية”، تحظّرالهواتف الخليوية تماماً. كذلك، يُمنع إستخدام أيٍ من وسائل النقل المنتجة للغازات الدفيئة، كثاني أكسيد الكربون (CO2) التي تعد المسبب الأول للإحتباس الحراري، الذي يصيب الكوكب. أما وسائل النقل التي تأتي من التجمعات البشرية والمدن الكبيرة، فيمنع دخولها وتُركَن خارج القرية. ويعتمد كثيرون في تنقلهم، على الخيول والدراجات الهوائية والزلاجات.

يبني سكان القرية البيئية منازلهم من الطين والقصب، أو من الخشب وأشكال النفايات البلاستيكية والمعدنية كافة، كشكل من أشكال تدوير النفايات. ويعيش السكان في “القرى البيئية”، حياة تعاون وتشارك، يشبه إلى حد كبير، نظام الإكتفاء الذاتي، حيث يأكلون مما يزرعون ومعظم زراعاتهم عضوية. كما يزرعون في حدائقهم، أنواعاً من الورد، الحبق، الزوفا، إكليل الجبل وغيرها من الاعشاب الطبية. في حين يستخدمون الفلاترالطبيعية المصنوعة من الحصى، القش والأعشاب، التي تعيد المياه المستعملة نقية معقمة، ليستخدمونها في الري. فيما حقق البعض منهم خبرة كبيرة، في عملية جمع مياه الأمطار وتربية الماشية، فهم يعتمدون في وجباتهم على البذور، الخضار ومشتقات الحليب. ويحاولون تنفيذ أعمالهم اليومية يدوياً، من دون إستخدام الآلات التي تستهلك الطاقة، أو تلك التي تصدر ضجيجاً (وأن كانت لا تحتاج للطاقة). فمثلا، يستخدمون الخيول للنقل والحراثة. ويستعملون الطاحونة الحجرية ذات الرحى، لطحن حبوبهم. وعمليات الغسيل تتم إما يدوياً أو بواسطة غسالة واحدة لكل القرية، تعمل بالطاقة الشمسية.

ويعتمد سكان القرى البيئية، في إقتصادهم، على ما تنتجه الطبيعة الأم. فهم يجمعون الأزهار والورود والأعشاب البرية؛ ويصنعون منها مجموعة كبيرة من المواد التجميلية والعطرية، تضم زيوتاً وكريمات وعطوراً. كما تضم الصابون على أنواعه والشموع. ويصنعون الأدوية لمعالجة الحروق والأكزيما وغيرها، من شمع النحل، الذين يربّونه. ويزرعون الزيتون، مستفيدين من أوراقه وأغصانه وثماره، كلها. فمن الأغصان والجذوع يستخرجون أنواعاً من العطور، تفيد في تعزيز مناعة الجلد، فيما يبيبعون الماء المقطر لأوراق الزيتون، على أنه مضاد بكتيري قوي لمكافحة الإلتهابات ومقوٍ للشعر. فيما تباع ثمار الزيتون وزيته كمواد غذائية، أصبحت نادرة في أيامنا هذه.

ولابد من الإشارة، إلى أن هذا الموذج من القرى كان نادراً جداً، ألاّ أنه اليوم وبعد إشتداد أزمة الطاقة عالمياً والقلق الكبير الذي يساور حكومات العالم، حول مصير كوكب الأرض، في ظل إستمرار إرتفاع حرارة سطح الارض، بدا نموذج “القرى البيئية” بالإنتشار، حيث سجلت الحكومة الإسبانية وجود تسع عشرة قرية بيئية في البلاد. كما توجد بعض القرى في لبنان (دميت – الشوف، بدر حسون – راس المسقا)، فلسطين (قرية فرخة – سلفيت)، الأردن (فيفا-الكرك) وفي سوريا (رأس الكتان -طرطوس).

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This